تحديات تواجه النساء.. تقاليد "تكبّل" أيديهن ويخترن الصمت أمام تعنيفهن

15:17, 30/06/2024
522

تواجه النساء في العراق تحديات كثيرة في ظل ارتفاع نسبة العنف بحقهن، وخصوصاً من قبل أفراد عائلاتهن، من دون أن يتمكنّ من رفع الصوت بسبب تقاليد المجتمع.

 

أحالت الطبيبة في مستشفى اليرموك في بغداد، ابتهال حسن، الفتاة أ.ح. (17 عاماً)، إلى لجنة فحص ومعاينة طبية، بعد ثلاث زيارات متقاربة إلى المستشفى برفقة والدتها، وكانت قد تعرضت في واحدة منها لكسر في أحد الأضلاع، نتيجة ضرب تبين لاحقاً أنه كان على يد زوجها الذي يعمل شرطياً في أحد مخافر بغداد. 


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

وقالت الطبيبة، التي تعمل ضمن ردهة الطوارئ الخاصة بالنساء في المستشفى الواقع وسط بغداد، إن "غالبية من يتعرضن للضرب على يد الزوج أو الأب أو الأخ، لا يرغبن بتقديم شكوى للشرطة، إلا بعد استحالة العلاج، وعادة ما تكون الأم سبباً في ذلك لاحتواء المشكلة".

 

وتعرضت الطبيبة، لـ "التهديد والشتائم من الزوج بعد معرفته بأنها أحيلت للجنة فحص الشرطة".

 

وأضافت حسن: "لو تم احتساب عدد حالات التعنيف الأسري للنساء في المجتمع العراقي، فستكون النتيجة صادمة للغاية، خصوصاً للحالات التي تستدعي الذهاب إلى المستشفى لتلقي العلاج". وتقول: "الزواج المبكر، وتعاطي الممنوعات، وقلة تعليم المُعتدي، كلها عوامل مشتركة لدى غالبية الحالات التي تصل إلى المستشفيات من جراء العنف".

 

وتتفاوت الحالات التي تصل إلى مستشفيات العراق بين الضرب المفضي لكسور ورضوض والإغماء مروراً بالحرق، وكلها أنواع من العنف اليومي تتعامل معها المستشفيات والشرطة العراقية في مختلف المدن. لكن العاصمة بغداد سجلت أعلى معدل لها للعام الخامس على التوالي.

 

إلا أن الأسوأ في ملف العنف الأسري يتجلى في النساء ذوات الإعاقة، وسجلت عمليات اغتصاب وتحرش واستغلال متنوعة بحق عدد غير قليل منهن خلال الفترات الماضية، في بلد تبلغ نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة فيه من جراء الحروب والأزمات الداخلية والمشاكل الصحية أكثر من مليون و200 ألف، وفقاً لمسوحات سابقة كشفت عنها وزارة التخطيط العراقية.

 

 وقالت إن من بينهم ما لا يقل عن 580 ألف امرأة، بمعدل أعمار يبلغ ما بين 24 و38 عاماً للنساء ذوات الإعاقة. عام 2020، فجّرت فضيحة اغتصاب امرأة تعاني من إعاقة بصرية في مدينة كركوك 250 كيلومتراً شمالي بغداد، على يد عنصرين مسلحين ينتميان إلى الحشد الشعبي، أزمة أخلاقية كبيرة استدعت الحكومة العراقية للإعلان عن فتح تحقيق، فيما نددت حكومة إقليم كردستان بالجريمة التي اعتبرتها مقززة وطالبت بغداد بموقف من الجريمة كون الضحية من القومية الكردية.

 

إلا أن حالات الاعتداء على ذوات الإعاقة لم تنته، وسجلت بغداد حالة اغتصاب لفتاة مصابة بمتلازمة داون على يد أحد أقرباء والدتها، وتم الكشف عن الجريمة بعد أيام من قبل الوالدة، واعتقلت الشرطة المجرم بعد سلسلة تحقيقات أفضت إلى إصدار حكم قضائي ضده.

 

في هذا السياق، تقول الناشطة الحقوقية، سفانة علي، إن حالات الاعتداء داخل الأسرة على النساء ذوات الإعاقة تتصاعد، وعادة ما تكون الضحايا غير قادرات على إيصال أصواتهن، لأن العائلة تخشى الفضيحة في ظل مجتمع معروف بالميل إلى التستر على مثل هذه الأفعال.

 

وبينت أن "من تصل حالاتهن إلى الشرطة أو المنظمات المعنية أقل بكثير من الواقع. رصدنا حالات قتل نساء سجلت على أنها حالات انتحار أو حادث عرضي، كما حدث شرقي بغداد في يناير/ كانون الثاني الماضي. وقد سجلت الوفاة نتيجة صعق بالكهرباء، لكنها في الواقع صُعِقت من قبل شقيقها الأصغر منها سنا. كما سجلت حالة قتل زوجة على يد زوجها في أربيل في إقليم كردستان خنقاً، وزعم أنها انتحرت نتيجة حالة نفسية".

 

وترى علي أن الحل الوحيد لمواجهة حالات العنف المتصاعدة هو "زيادة ثقافة المجتمع، ومنح المرأة تسهيلات أكثر لناحية الإبلاغ عما يتعرضن له، وإنشاء قاعدة بيانات للجرائم، وقبل كل شيء فضح المجرمين والكشف عن أسمائهم، إذ إن السلطات الحالية تحجب معلومات عن المتحرشين والمغتصبين وحتى المتورطين في جرائم قتل النساء". وتؤكد أن النساء اللواتي يعانين من متلازمة داون، الأكثر تعرضاً للعنف بسبب حالاتهن الخاصة وعدم الإدراك الكامل والطيبة المفرطة التي يتمتعن بها، من خلال ثقتهن بالجميع.

 

وفي كانون الثاني الماضي، أعلنت منظمة "حقوق المرأة العراقية" أن رجلاً من مدينة الديوانية، مركز محافظة القادسية جنوبي البلاد، أقدم على قتل ابنته بعدما نشرت مقطعاً ظهرت فيه على تطبيق "تيك توك".

 

ويقول المُقدم بوزارة الداخلية العراقية أحمد السوداني، إن "الزوجة والأخت والابنة هن الأكثر تعرضاً للضرر داخل الأسرة أو المجتمع عموماً، لكن الحالات الأخيرة باتت تطاول الأم حيث نرصد ارتفاعاً بذلك". يضيف أنهم يتعاملون يومياً مع حالات العنف ضد النساء، "وما يصلنا نحن الشرطة أقل بكثير من الحالات التي تحصل بالمنزل وتنتهي من دون الإبلاغ عنها".

 

لكن مسؤولاً آخر في الوزارة طلب عدم الكشف عن هويته، يكشف عن مقتل 29 امرأة في مختلف مدن العراق منذ مطلع هذا العام نتيجة العنف الأسري، وكان آخرها في شهر يونيو/ حزيران الحالي. وقتل شقيق شقيقته وسط الشارع بعد معرفته أنها تعمل نادلة في مقهى.

 

وأكد أنه "لأسباب اجتماعية، الضحايا من النساء لا يحصلن على فرصة لإظهار أصواتهن، كون الجاني إما الأخ أو الأب أو الزوج، وتتعدى في بعض الأحيان إلى أبناء العم".

 

وخلال شهر أيار الماضي، كشفت وزارة الداخلية العراقية تسجيل قرابة 14 ألف دعوى عنف أسري خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري في عموم مدن البلاد. وبحسب المتحدث باسم الوزارة العميد مقداد ميري، فإن "الاعتداء البدني كان الأعلى نسبة بين هذه الدعاوى، وبمعدل 2700 حالة عنف أسري شهرياً، وأكثر من 90 حالة باليوم الواحد. وتُشكل حالات العنف ضد الإناث وفقاً لأرقام وزارة الداخلية 73% من مجموع تلك الحالات.

 

في المقابل، فقد سجل العام الماضي، وفقاً لمجلس القضاء الأعلى في بغداد، 18 ألفاً و436 حالة عنف، وهو ما يعني أن ارتفاعاً جديداً سيشهده هذا العام بحالات العنف الأسري. وتتصدر بغداد والنجف والبصرة وبابل وديالى المحافظات العراقية في حالات العنف ضد النساء.