يبدو أن الحكومة العراقية مترددة من سخط الشارع في حال إزاحة الستار عن نتائج رفع أسعار "البنزين المحسن"، خصوصاً وأن الخطة التجريبية انتهت منذ أكثر من شهرين من الآن، ما يدل على وجود "موانع خفية" وراء الموضوع، بحسب مراقبين.
وفي (26 آذار 2024)، صوت مجلس الوزراء في جلسة عقدت برئاسة محمد شياع السوداني، على زيادة سعر البنزين المحسن من 650 ديناراً للتر الواحد إلى 850 ديناراً للتر، والبنزين الممتاز من 1000 دينار إلى 1250 ديناراً للتر الواحد، اعتباراً من 1 أيار الماضي ولمدة 3 أشهر على أن يعاد تقييم الأوضاع عقب ذلك.
ووفقاً لتقديرات الخبراء، فإن العراق خسر خلال العام 2023 ما يقارب 3 تريليون دينار عراقي على استيراد البنزين المحسن (وهي قيمة الدعم الحكومي للبنزين المحسن)، مؤكدين أنّ هذه الأرقام هي نفسها منذ سنوات.
وانتقد عراقيون بشدة قرار زيادة أسعار الوقود، معتبرين أنّ هذه الخطوة "كفيلة برفع أسعار جميع المواد في الأسواق".
وبالحديث عن الأرقام، قالت شركة توزيع المنتجات النفطية، (16 تموز 2024)، إنها باعت نحو 977 مليون لتر من البنزين (المحسن والعادي والسوبر)، خلال شهر حزيران من العام الجاري، دون الكشف عن العائدات المالية من هذه الأرقام.
وفي هذا الصدد، يرى الخبير الاقتصادي، نبيل جبار التميمي، أن "استيراد العراق للمشتقات النفطية ازدادت خلال السنوات الأربع الأخيرة، نتيجة الزيادة في الاستهلاك والطلب المتزايد على استهلاك الوقود (المحسن عالي الاوكتاين) الذي لا توفره المصافي المحلية".
ويقول التميمي، إن "الاستيرادات السنوية للوقود وصلت إلى نحو 3 مليارات دولار، وهو رقم كبير ومن غير المعقول لبلد يعتبر من كبار منتجي النفط يستورد بنزين بهذه الأرقام".
جاءت الخطوة الحكومية الأخيرة منذ أشهر، بحسب التميمي، كخطوة جريئة لرفع أسعار بعض المشتقات النفطية بنسبة بين 20 - 30٪، مؤكداً أن "هذه الخطوة رافقتها افتتاح الحكومة لمصفى كربلاء، وأيضاً عودة خطوط إنتاجية في مصفى بيجي".
وأعادت الحكومة العراقية خلال العام الجاري، فتح مصفاة الشمال في بيجي بمحافظة صلاح الدين بعد تأهيلها، وذلك عقب إغلاقها لأكثر من 10 سنوات، كما أعلنت نهاية العام الماضي عن افتتاح مصفاة كربلاء النفطية بطاقة إنتاجية تصل إلى 140 ألف برميل يومياً بينها "البنزين المحسن".
ويضيف التميمي، أن "هذه المصافي تمكنت من تغطية نسبة كبيرة من الاستيرادات التي بلغت 15 مليون لتر يومياً"، مستطرداً بالقول: "مثل هذه الخطوة قد تساهم في نهاية العام بتوفير مبالغ كبيرة من الأموال التي تذهب للاستيراد، شرط أن تقوم الحكومة بإجراء إصلاحات في قوانين الشركات العامة ومنها شركات التصفية والتوزيع النفطي لزيادة حصة الخزينة من هذه الإيرادات التي جاءت نتيجة الخطوات الحكومية في إنشاء المصافي الجديدة وافتتاح خطوط الانتاج، فضلاً عن تحديد سعر جديد للمشتقات النفطية".
وقبل أيام قليلة، خرجت وزارة النفط بتصريح جديد عن "البنزين المحسن"، حيث أكدت أن العراق سيحقق الاكتفاء الذاتي من البنزين المحسن العام المقبل، فيما أكدت أنه حقق الاكتفاء من منتجات زيت الغاز والنفط الأبيض.
ووفقاً للخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، فأن تكلفة استيراد البنزين المحسَّن عام 2022 تساوي 1700 دينار لكل لتر، وتعادل تكلفة استيراد البنزين العادي 900 دينار لكل لتر، في إشارة إلى أن الدولة تخسر الأموال عن جميع أنواع البنزين.
بالمقابل يقول مصطفى حنتوش وهو باحث في مجال الاقتصاد، إن "الحكومة الآن غير قادرة على إعادة سعر البنزين المحسن كما كان سابقاً إلا بعد استقرار التصدير في مصفى بيجي وكربلاء الجديد".
وبحسب حديث حنتوش، فأن العراق إلى الآن يعتمد بشكل كبير على استيراد البنزين المحسن، كون الناتج المحلي لا يستطيع سد الحاجة الكبيرة والمتزايدة في السوق العراقي.
ويتابع حنتوش، قائلاً إن "المواطن العراقي هو المتضرر الأكبر من القرار على اعتبار أن رفع سعر الوقود دائماً ما يؤدي إلى رفع كافة المواد الغذائية وغير الغذائية في الأسواق عموماً".
وعن امكانية رفع الأسعار مرة أخرى، يتوقع حنتوش، أن "الحكومة لا تفكر حالياً بهكذا خطوة"، مؤكداً أن "الأسعار الحالية سواءً للبنزين المحسن أو العادي ستبقى طويلاً على هكذا حال".
وبحسب قراءات الخبراء الاقتصاديين، فإن الحكومة كانت تقدم دعماً يصل إلى 20% من قيمة البنزين المحسن والسوبر على مدار السنوات الماضية، الأمر الذي شكل عبئا على الموازنة المالية.
ويستهلك العراق ما بين 27 مليوناً إلى 31 مليون لتر من البنزين في اليوم الواحد، فيما يبلغ الإنتاج بنحو 50% من حاجة السوق، والحديث للخبراء أيضاً.
كما استورد العراق بنزين وغاز منذ العام 2003 إلى غاية الآن بكلفة بلغت نحو 70 مليار دولار أميركي، كما استورد 26 مليون لتر من زيت الغاز شهرياً.