فيما بدأت تداعيات الهجمات الحوثية على السفن المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تؤثر في حركة الملاحة بقناة السويس وعائداتها، التي تمثل مصدراً رئيسياً للعملات الأجنبية للحكومة المصرية، تعمل القاهرة على أكثر من مسار في محاولة لإنهاء أزمة الملاحة في البحر الأحمر.
ودفع تصاعد التوتر في منطقة البحر الأحمر الكثير من شركات الشحن الكبرى إلى تحويل مسارات سفنها نحو طريق رأس الرجاء الصالح. وكشفت مصادر مصرية عن "اتصالات مكثفة أجرتها القاهرة مع مسؤولين في جماعة الحوثيين، وإيران، لمنع اتساع تأثير الهجمات الحوثية على الوضع في المنطقة بشكل عام، وحركة المرور في قناة السويس على وجه الخصوص".
وقال مصدر مصري، إن "اتصالات مصرية مكثفة على مستوى أمني، جرت مع قيادات بارزة في جماعة أنصار الله (الحوثيون)، عقب الضربة التي وجهتها الولايات المتحدة وبريطانيا لمناطق سيطرة الجماعة في اليمن في 12 يناير/كانون الثاني الحالي، في محاولة لاستطلاع رد الفعل، ومن ثم الاستعداد للتداعيات".
اتصالات لخفض التصعيد في البحر الأحمر
وأوضح المصدر أن "الحديث بين المسؤولين المصريين والقيادات الحوثية خلال الأيام القليلة الماضية، شهد تأكيد القاهرة على عدم المشاركة في أي إجراءات على مستوى دولي من شأنها استهدف الجماعة"، مشيراً إلى أن القاهرة "أكدت للإدارة الأميركية على خطورة الحل العسكري في أزمة البحر الأحمر، وأنه من الأفضل الدفع نحو حل يعجل بإنهاء السبب الرئيسي، وهو الحرب الدائرة في قطاع غزة".
وأشار المصدر إلى أن "من بين التطمينات التي قدمها المسؤولون في القاهرة لجماعة الحوثي، هو إحرازها تقدماً ملموساً في مباحثات مع الجانب الإسرائيلي لزيادة حجم المساعدات التي تمر لقطاع غزة، سواء تلك التي تمر عبر معبر رفح المصري أو معبر كرم أبو سالم، وهو ما يخدم الهدف الرئيسي للعمليات التي تنفذها الجماعة في البحر الأحمر".
مصدر مصري: القاهرة أكدت عدم نيتها المشاركة بضرب الحوثيين
ولفت المصدر إلى أن "الاتصالات بين القاهرة والحوثيين كانت إيجابية في مجملها، وشهدت تقديراً من جانب الجماعة لموقف مصر الرافض للانخراط في أي أعمال عدائية ضدها"، قائلاً إن "قيادات الجماعة أكدوا للمسؤولين المصريين عدم وجود نوايا لتوسيع العمليات والاستهدافات للسفن، بخلاف تلك التي تتوجه إلى إسرائيل أو ترتبط بها، وذلك رغم الضربات الأميركية والبريطانية الأخيرة".
في السياق نفسه، كشف دبلوماسي مصري، طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن "ترتيبات تجرى في الوقت الراهن، استعداداً لزيارة مرتقبة خلال الأيام القليلة المقبلة، لوزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان إلى القاهرة". وكشف أنه تم التوافق على الزيارة خلال اتصال سابق بين الرئيسين، المصري عبد الفتاح السيسي، والإيراني إبراهيم رئيسي.
وأضاف الدبلوماسي أن "الاتصالات المصرية الإيرانية، شهدت تطوراً خلال الفترة الأخيرة، منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة"، معتبراً أن "ما يحدث في الإقليم، يساهم بدرجة كبيرة في تسريع وتيرة رفع مستوى العلاقات المصرية الإيرانية، في ظل تشابك المصالح المشتركة للبلدين، وبحكم أن إيران تعد حالياً لاعباً أساسياً في المنطقة، نظراً لعلاقاتها الوثيقة بأطراف النزاع في الإقليم".
وأبدى الدبلوماسي المصري اعتقاده أنه "رغم تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، إلا أن الفترة المقبلة ستشهد قفزة في العلاقات المصرية الإيرانية". ولفت إلى أن "القاهرة كانت وسيطاً نقل رسائل من الإدارة الأميركية إلى طهران".
حسابات مصرية صعبة في البحر الأحمر
وأوضح أنه "في ظل الوساطة التي تشارك فيها مصر إلى جانب قطر، بدعم أميركي، وتقاطع الملفات المتعلقة بتلك الوساطة، فإن الإدارة الأميركية ارتأت أن هناك رسائل تعد القاهرة الأقدر على إيصالها إلى طهران، في ظل الرغبة الإيرانية بتحسين ورفع مستوى العلاقات مع مصر".
وكشف عن "وجود اتفاق في الرؤى بين القاهرة وواشنطن بشأن منع الصراع في الشرق الأوسط، والعمل الجاد على ذلك، نظراً للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعانيها مصر، وتأثرها بأية أحداث في المنطقة".
دور مصر في خفض التصعيد في البحر الأحمر
وتعليقاً على ذلك، أمل نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، مختار الغباشي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "تنجح مصر في احتواء التصعيد في البحر الأحمر، لأنها معنية إلى حد كبير بتهدئة الأوضاع في تلك المنطقة، بحكم أن مضيق باب المندب له تأثيره الكبير على حركة الملاحة في قناة السويس".
لكنه لفت إلى أن "الإشكالية أن هذا الصراع مرتبط بعدوان غاشم قاتل مدمر على قطاع غزة، والحوثيين مصرون على عدم وقف استهداف السفن المتجهة إلى إسرائيل أو القادمة منها فقط، وليس حركة الملاحة بشكل عام". وأضاف الغباشي: "المسألة كانت سهلة ويسيرة، وهي الوصول إلى وقف إطلاق نار في غزة ينهي توترات كثيرة في المنطقة".
دبلوماسي مصري: زيارة مرتقبة لعبد اللهيان إلى القاهرة
وحول فرص نجاح مصر في احتواء التصعيد في البحر الأحمر، باستخدام علاقتها بالحوثيين والولايات المتحدة وعلاقتها المتنامية مع إيران، استبعد أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، سعيد صادق ذلك، قائلاً في حديث لـ"العربي الجديد": "لا أتصور ذلك، لأن التصعيد في البحر الأحمر واستهداف السفن، مرتبط بالدعم الإيراني العسكري للحوثيين، واستمرار الحرب على قطاع غزة، ورغبة الحوثيين في تحسين صورتهم إقليمياً".
بدوره قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، رخا أحمد حسن، لـ"العربي الجديد"، إن "التصعيد في خليج عدن والبحر الأحمر، هو بفعل أميركي بريطاني متعمد، بهدف حماية المصالح الإسرائيلية، لأن الحوثيين قرروا منع السفن القادمة والمتجهة إلى إسرائيل فقط من العبور إلى البحر الأحمر، إلى أن توقف إسرائيل عدوانها على غزة وترفع حصارها عنها".
وأضاف أنه "بدلاً من أن تضغط واشنطن على إسرائيل لوقف الحرب، ادّعت أن الحوثيين يعطلون السفن التجارية ويهاجمونها ويعرضون حياة البحارة للخطر، والموقف الآن في يد الولايات المتحدة، إذا أرادت أن تتم تسوية الوضع كله".
من جهته، اعتبر رئيس حزب الإصلاح والتنمية، محمد أنور السادات، أن "مصر تسعى جاهدة بالتواصل مع قيادات الحوثيين في اليمن، إلى التهدئة، وهي بالطبع تستخدم أيضاً علاقاتها مع أميركا وبريطانيا، وتتواصل مع إيران، لأنها من المتضررين مما يحدث في البحر الأحمر، لكن الخطورة، إذا خرجت الأمور عن السيطرة".
وتابع السادات: "المسألة كبيرة ومعقدة، ويمكن إذا استمر التصعيد وهذه الضربات المتتالية من أميركا وبريطانيا على الحوثيين، أن يثير حفيظة الإيرانيين فيما يخص مضيق هرمز وكل السفن التي تتجه إلى الخليج".
المصدر: العربي الجديد