رحلة محفوفة بالمخاطر وكأنها هروب من الحياة الى الموت، هكذا يقول اقارب ذوو ضحايا قوارب المهاجرين من كردستان العراق باتجاه أوروبا، فيما
على جدار متهالك عند مدخل منزل العائلة، ملصق أعلن عن مجلس عزاء، الأربعاء، لاستقبال الأقارب والأصدقاء، حيث تظهر صورتان عائليتان الضحايا من أهل وأبناء وهم يرتدون أجمل ملابسهم والبسمة مرتسمة على محياهم.
وفي الصور تظهر مجدة مع زوجها، عبد القادر، سائق التاكسي وهيرو وزوجها، ريبوار الحداد. وكان الأربعة مع أطفالهم على متن المركب الشراعي الذي غرق هذا الأسبوع قبالة ساحل كالابريا في إيطاليا.
وقد تم إنقاذ 11 شخصا، وقضى نحو 20، بينما لا يزال 50 شخصا تقريبا في عداد المفقودين.
وتقول خديجة حسين قريبة العائلة لوكالة فرانس برس إن "الأمر المؤكد هو أن مجدة على قيد الحياة، تحدثنا معها عبر الهاتف".
وتضيف أن أحد أبناء مجدة نجا أيضا، وكذلك أحد أبناء هيرو، موضحة: "لكن لا نعرف تفاصيل أخرى عنهم". لكن العائلة فقدت الأمل في أن يكون البقية على قيد الحياة.
وكادت العائلتان تتخليان عن فكرة السفر إلى أوروبا على ما تضيف ربة المنزل البالغة من العمر 54 عاما، موضحة: "اخبروا الأهل بذلك والجميع سعدوا بهذا القرار، ولكن في الاسبوع الماضي أقنعهم المهرب بأنه وجد طريقا سهلا وجيدا فقرروا السفر مرة أخرى".
وكان يفترض بالمسافرين الاتصال بالعائلة عند الوصول إلى وجهتهم، حيث أوضحت خديجة "لكن مضى وقت ولم يصل منهم أي خبر أو اتصال"، بينما أغلق المهرب هاتفه.
"إنه الموت بعينه"
وهذه المأساة تكررت مرات عدة، ففي السنوات الأخيرة، سلك آلاف الأكراد طرق الهجرة مجازفين بعبور البحر للوصول إلى المملكة المتحدة، أو المشي عبر الغابات في بيلاروس للوصول إلى الاتحاد الأوروبي.
وفي ساحة مدرسة بأربيل، أقيم فيها مجلس العزاء، جلست عشرات النساء في خيمة يرتدين ملابس الحداد السوداء، وعلامات التعب على وجوههن، في صمت يقطعه فقط بكاء الأطفال.
وفي المسجد، استقبل رجال العائلة عشرات المعزين فيما تتلى آيات من القرآن. ويؤكد كمال حمد، والد ريبوار، أنه تحدث مع ابنه يوم الأربعاء 12 يونيو عندما كان على متن المركب.
وإلى جانب الألم الذي يعتصر قلبه، أعرب عن شعوره بعدم الفهم، مؤكدا أنهم "كانوا يعرفون جيدا أن الابحار بهذا الشكل هو الموت بعينه".
وأضافو بأسى: "لماذا يهاجرون؟.. وبلادنا أفضل من أي مكان".
في العراق الذي يعاني من عدم الاستقرار، لطالما عكست كردستان صورة رخاء واستقرار، حيث تكثر فيها المشاريع العقارية الفاخرة والطرق السريعة والجامعات والمدارس الخاصة.
لكن المنطقة، مثل بقية البلاد الغني بالنفط، تعاني أيضا من الفساد المستشري والمحسوبية والمشاكل الاقتصادية التي تساهم في إحباط الشباب.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة "غالوب" أنه في العام 2022، قال 2 من كل 3 من سكان كردستان إنه من الصعب إيجاد وظيفة.
"الغالبية أكراد"
وتفيد المنظمة الدولية للهجرة بأن نحو 3155 مهاجرا قضوا أو فقدوا في البحر الأبيض المتوسط العام الماضي.
وفي إقليم كردستان، قال رئيس رابطة المهاجرين العائدين من أوروبا، بكر علي، إن المركب الذي غرق قرب السواحل الإيطالية كان يحمل "75 شخصا من نساء وأطفال ورجال، غالبيتهم من أكراد العراق وإيران وعدد من الأفغان" بحسب معلومات أولية.
وأوضح أن القارب أبحر من منطقة بودروم في تركيا. وكان بين الركاب أكثر من 30 شخصا من كردستان، على ما يقول بختيار قادر، ابن عم ريبوار.
وأوضح بخيتار لا يفهم إصرار العائلتين على المغادرة، مؤكدا "كانت لديهم منازلهم وسيارتهم وأطفال وأعمالهم الخاصة".
وزاد الرجل الأربعيني: "أنا بنفسي تحدثت معهم وأيضا أقاربهم وأصدقاؤهم، ولكن لم يسمعوا كلام أحد ولم يتراجعوا عن قرارهم".
وختم بحزن: "لم يكونوا يعلمون أن الموت ينتظرهم" .