من سيكون رئيس الوزراء القادم؟ محمد شياع السوداني والسيناريوهات الممكنة للحكومة المقبلة

hussein
اليوم, 20:38

لحظة مفصلية في المسار السياسي العراقي

ستُجرى الانتخابات البرلمانية في العراق يوم غدٍ في سياقٍ إقليمي مضطرب وداخلي متقلب.

كانت جولة التصويت الخاص للأجهزة الأمنية والنازحين اختبارًا مبكرًا لمدى قدرة الأحزاب على تعبئة قواعدها، فيما بقيت الشكوك تحوم حول مدى تعبير هذه النتائج عن المزاج الشعبي العام.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل


لكن الربط بين الخريطة الحزبية التقليدية والمستجدات العملية (الخلافات مع المكوّن الكردي، دور التيار الصدري، موازنة النفوذ الإيراني–الأمريكي) يمكن أن يقرّبنا من سيناريو معقول لرئاسة الوزراء والحكومة المقبلة.

 

السوداني هو المرشح الأوفر حظًا… لماذا؟

 

الصورة العملية والقبول الداخلي

منذ تسنّمه المنصب التنفيذي عام 2022، بنى السوداني صورة "رجل الدولة" عبر مشاريع بنية تحتية، وتوظيف واسع، وتقديم مشاريع خدمية، وهذا منحه قبولًا في أوساط قيادات ومواطني المحافظات الوسطى والجنوبية.

هذا القبول – رغم كونه محدودًا – جعل منه خيارًا عمليًا أمام القوى الإقليمية والدولية التي تفضّل الاستقرار على المغامرة.

 

توازن خارجي نادر

المفارقة التي تصنع قوة السوداني هي قدرته النسبية على احتواء مخاوف إيران وأمريكا معًا:

طهران لا ترى فيه تهديدًا لمصالحها ومصالح حلفائها في محور المقاومة والحشد والفصائل.

كما أن الغرب يراه إدارةً قادرة على حماية الصفقات الاقتصادية ومنع انفلات أمني قد يؤثر على الشركات الأجنبية.

هذا "الرضا المزدوج" عن شخصية واحدة نادرٌ في بغداد، ويفتح للسوداني مساحةً كبيرة لتولي ولاية ثانية بشرط الحفاظ على توازنات النفوذ.

 

التيار الصدري صمّام أمان واقعي

رغم مقاطعة التيار الصدري للانتخابات، فإن السيد مقتدى الصدر يمتلك قدرة على الحركة الاستراتيجية:

"القاعدة الشعبية الصدرية وامتداداتها الميدانية تجعل من أي قرارٍ صدري «فيتو» عاملًا مؤثرًا جدًا."

عمليًا، السيناريو الأكثر منطقية هو أن الصدر – لتحقيق هدفه الإصلاحي وكي يبقى رقمًا صانعًا للتوازن – سيوظف موقعه لحماية أو عرقلة مرشحين وفقًا للمصلحة التي يراها، وعلى هذا الأساس يصبح السوداني أقل استهدافًا من المالكي.

 

ضعف بدائل الإطار

نوري المالكي يملك ثقلًا تنظيميًا وتجربة سياسية، لكنه يدفع ثمن الانقسام داخل الإطار و"الفيتو" المحتمل عليه (وخاصة من التيار الصدري).

علاوة على ذلك، فإن أي محاولة لإعادة المالكي بقوة ستواجه مقاومة محلية وإقليمية، ما يجعل فرصه أقل من فرص السوداني ما لم تحدث تحولات غير متوقعة.

 

ماذا تعني نسبة التصويت الخاص (82%)؟

أعلنت مفوضية الانتخابات عن تسجيل نسب مشاركة مرتفعة في "التصويت الخاص" للأجهزة الأمنية والنازحين بلغت 82%.

هذه النسبة تعكس قدرة الأحزاب والكتل على تعبئة الأجهزة المنظمة داخل إطار الدولة، ولا تعكس بالضرورة المزاج الشعبي في الانتخابات العامة.

لكنها تبقى مؤشرًا مهمًا، خاصة إذا كانت قواعد الأمن (الجيش والداخلية) والنازحين تميل إلى السوداني وتحالفاته، فهذا يمنحه ميزة تنظيمية تسهّل عليه التقدم في بناء الكتلة الأكبر داخل البرلمان.

 

ما الذي يعرقل طريق السوداني؟

 

الخلاف مع الأحزاب الكردية:

الخلافات حول تهريب النفط ورواتب الموظفين مع الجهات الكردية ليست مسألة هامشية، فعدم التفاهم مع الأكراد يقوّض قدرة أي حكومة على إدارة ملف النفط والإيرادات، ويشكّل بؤرًا سياسية تؤثر في التحالفات.

وأي خطأ في إدارة هذا الملف قد يقوّض منظومة التحالفات التي يعتمد عليها السوداني.

 

الثلث المعطِّل وضغط المالكي

امتلاك المالكي لكتلة تستطيع تعطيل تشكيلة الحكومة أو فرض صفقات سياسية يبقى تهديدًا حقيقيًا، خصوصًا إذا نجح في توحيد ثلث البرلمان أو إقامة تحالفات مع قوى الإطار السابق أو قوائم المحافظين المحليين.

وهذا السيناريو سيجبر السوداني على تقديم تنازلات أو الدخول في حكومة توافقية ذات كلفة سياسية.

 

ظهور مفاجآت شعبية أو أمنية

أي موجة احتجاجٍ شعبية قوية، أو حادث أمني كبير، أو تدخلٍ إقليمي مباشر (أو شبه مباشر) سيغيّر قواعد اللعبة بالكامل ويفتح الباب أمام سيناريوهات مفاجئة وغير مرغوبة من الأطراف الدولية.

والحفاظ على الاستقرار في فترة ما بعد الانتخابات سيكون أحد مفاتيح بقاء أي رئيس وزراء في موقعه.

 

سيناريوهات الحكومة القادمة

السيناريو الأول: حكومة موسّعة برئاسة السوداني (الأكثر احتمالًا بنسبة 60–75%)

حيث سيُعاد تكليف السوداني بتشكيل حكومة تقوم على تحالف يشمل كتلته (الإعمار والتنمية)، وجزءًا مهمًا من دولة القانون، إضافة إلى كتلٍ محسوبة على محور المقاومة لضرورة الحفاظ على الثوابت، وكتل المحافظين المحليين.

وستكون حكومة براغماتية تُعطي مساحات تنفيذية للسوداني مقابل تنازلات شكلية لبعض الأطراف.

 

السيناريو الثاني: حكومة توافقية مقيدة بضغط المالكي (20–30%)

عندما ينجح المالكي في جمع الثلث المعطّل، ويجبر الجميع على تشكيل حكومة توافقية ضعيفة الصلاحيات مقابل حصوله وحلفائه على مشاركة أوسع في المواقع الرئيسية.

وستكون هذه الحكومة أقل قدرة على اتخاذ قرارات إصلاحية طموحة.

السيناريو الثالث: فراغ دستوري أو أزمة حكومية (احتمال ضعيف لكنه ممكن)

من خلال أحداث غير متوقعة (تصعيد إقليمي، احتجاجات واسعة) قد تُجر البلاد إلى أزمة تؤدي إلى تأجيل تشكيل الحكومة أو قيام حكومة طوارئ قصيرة الأمد.

هذا السيناريو أقل احتمالًا الآن، لكنه يبقى واردًا.

 

أخيرًا:

الاحتمال المرجّح اليوم هو أن محمد شياع السوداني يبقى الأكثر قدرة على جمع الحد الأدنى من التوافقات اللازمة لتشكيل حكومة مقبولة داخليًا وإقليميًا ودوليًا.

وهذا لا يعني نهاية الخلافات داخل البيت الشيعي، بل يعني أن شكل الخلاف انتقل من المواجهة إلى صراعاتٍ تكتيكية داخلية وثنائية بين "البراغماتية الإدارية" و"الذاكرة السياسية" و"الهوية العقائدية" و"المزاج الشعبي المحلي".

وإذا نجحت الحكومة المقبلة في تحويل ذلك التوازن الهش إلى أداءٍ عملي، فسنشهد دورةً سياسية أكثر قابلية للإدارة – وإذا فشلت، فستكون البدائل إما حكومة توافقية مُكبَّلة أو فوضى سياسية خطِرة.