يتعرّض نظام الضمان الصحي في البلاد لجدل متزايد بين الموظفين والمستشفيات، وسط اتهامات بوجود تجاوزات تتعلق بتغطية العمليات الطبية، بينما القانون واضح في شمولية الضمان الصحي للعديد من العمليات، يشكو بعض الموظفين من رفض المستشفيات تغطية تكاليفها، أو محاولة التحايل على النصوص القانونية.
الموظفة فاطمة حمزة تروي تجربتها قائلة "عند ذهابنا إلى أحد المستشفيات لإجراء عملية جراحية، طُلب منا أولاً استكمال الإجراءات ثم تقديم الطلب، ولكن بعد انتهاء العملية فُوجئنا بأن هذه العملية لم تكن مشمولة بالضمان، وقد تكرر هذا الأمر معنا ثلاث مرات".
وأفاد الموظف أحمد علي فرج بأنه توجّه إلى مستشفى الدورة الأهلي لإجراء عملية جراحية، نتيجة أصابته بطلقة نارية، إذ تم إبلاغه بأن العمليات الجراحية غير مشمولة ضمن الضمان الصحي، وأن التغطية تقتصر على الفحوصات الشعاعية والتحاليل المختبرية فقط.
وأشار إلى أنه اضطر لإجراء العملية الجراحية على نفقته الخاصة، وأضاف فرج أنه قام لاحقًا بمراجعة هيئة الضمان الصحي، التي وافقت على إعادة نسبة 25 بالمئة من قيمة التكاليف، إذ تم تنظيم صك بالمبلغ وهو حاليًا بانتظار الصرف.
وفي السياق ذاته، أوضح الموظف عمار كاظم أنه توجّه لمستشفى مارينا الأهلي، بسبب إصابة يعاني منها في قدمه، وبيّن أنه بعد مراجعته للطبيب المختص، أبلغه بضرورة إجراء عملية جراحية، نتيجة وجود عدة تمزقات في الرباط الصليبي، وأن كلفة العملية تبلغ ثلاثة ملايين ونصف.
وأكد كاظم "عند إبلاغي الطبيب بامتلاكي ضمانًا صحيًا، أكد لي بأن العملية غير مشمولة بالضمان الصحي، لكون المستشفى يستورد مستلزمات العملية من خارج البلاد، ما يجعل من الصعب شمولها ضمن الضمان".
تحايل
ويشير مصدر في قطاع الصحة، فضل عدم ذكر اسمه إلى أن هناك مستشفيات ملتزمة تماماً بالقوانين وتعمل وفق ضوابط واضحة، مؤكداً أن تجاوزات محدودة لا تمثل النظام ككل.
ولفت إلى أن القانون يعطي الحق للموظف في المطالبة بالتغطية الكاملة للعمليات المشمولة، وأن هناك آليات لمتابعة الشكاوى ضد أي مخالفة.
وأكد وجود حالات تحايل على القانون، مثل تصنيف العملية تحت بند غير مشمول أو استخدام مبررات أخرى، لرفض التغطية.
وبين المصدر أن الضمان الصحي رغم مزاياه الكبيرة، يحتاج إلى آليات رقابية أكثر صرامة لضمان الالتزام الكامل بالقانون، إضافة إلى أهمية التوعية بحقوق الموظفين، وكيفية المطالبة بها عند مواجهة رفض من المستشفيات.
آليات التعامل
وتعتمد هيئة الضمان الصحي مجموعة من الإجراءات الرقابية والتنظيمية للتعامل مع المستشفيات غير الملتزمة بشروط وعقود الضمان، بهدف ضمان جودة الخدمات الطبية المقدمة للمواطنين المشمولين بالنظام.
وقال مدير عام صندوق الضمان الصحي في وزارة الصحة، علي أحمد عبيد، إن المحور الأول من عمل الهيئة يتركز على آلية التعامل مع المستشفيات غير الملتزمة، إذ تم اعتماد ثلاثة إجراءات رئيسة، الإجراء الأول يتمثل بوجود قسم مختص داخل هيئة الضمان الصحي، يتولى إجراء زيارات تفتيشية وتقييمية دورية للمؤسسات الصحية، للتحقق من جودة الخدمات الطبية المقدمة ومدى التزامها ببنود العقد المبرم بين الهيئة والمستشفى، وذلك وفق نظام زيارات معتمد ومحدد مسبقاً.
وأضاف أن الإجراء الثاني يتعلق بتلقي شكاوى المواطنين المشمولين بالضمان الصحي والتحري عنها.
وأشار عبيد إلى أن الهيئة تستقبل الشكاوى عبر قناتين، الأولى من خلال المراجعة المباشرة وتقديم الشكوى إلى شعبة مختصة، من ضمنها شعبة شكاوى الخط الساخن، والثانية عبر رقم الهاتف المخصص لتلقي الشكاوى والاستفسارات، وهو (5151)، وتقوم فرق التفتيش في الهيئة بالتحقق من هذه الشكاوى والتحري عنها، ليتم بعدها رفع تقارير رسمية تُتخذ على أساسها الإجراءات القانونية اللازمة وفق ما ينص عليه القانون.
وبيّن عبيد أن الجهة الأخرى المعنية بعملية التفتيش والتحقق الدوري من التزام المستشفيات هي لجنة مركزية مكلفة من قبل وزارة الصحة، تضم دائرة التفتيش وهيئة الضمان الصحي، وتختص هذه اللجنة بالنظر في الشكاوى وتقييم جودة الخدمات الطبية المقدمة من المستشفيات، وتحدد بناءً على نتائج تقاريرها قرار التعاقد مع المستشفى أو تجديد العقد من عدمه.
متابعة وغرامات
ولفت عبيد إلى أن الهيئة، استناداً إلى هذه الإجراءات، قامت بمتابعة أداء مستشفيات الضمان الصحي، وتم اتخاذ عدة قرارات بحق المستشفيات غير الملتزمة، شملت إنهاء التعاقد مع بعضها، وفرض غرامات قانونية على البعض الآخر، إضافة إلى توجيه إنذارات رسمية، فيما يتم تجديد العقود مع المستشفيات الملتزمة بالمعايير المحددة.
وفي ما يخص الجانب المالي، أوضح عبيد أن اشتراكات الموظفين لا تُسلَّم إلى المستشفيات بشكل مباشر، بل تُحوَّل من دوائرهم إلى هيئة الضمان الصحي حصراً، وأشار إلى أن نظام التغطية الصحية ينص على أن المواطن المشمول بالضمان، عند مراجعته مستشفى لإجراء عملية طبية، يتحمل نسبة 25 بالمئة من قيمة العملية، فيما تتكفل هيئة الضمان بنسبة 75 بالمئة.
وتطرق عبيد إلى بعض الحالات التي يتم فيها تداول معلومات عن عمليات كلفتها مرتفعة لم تغطَّ بالكامل من قبل الضمان، موضحاً أن المواطن يكون مخيراً في اختيار مكان وطريقة إجراء العملية، ففي حال كانت العملية مشمولة ضمن حزم الخدمات المتعاقد عليها مع المستشفى وبسعر محدد، تتحمل الهيئة النسبة المتفق عليها، أما في بعض الحالات، فيلجأ المريض إلى إحضار طبيب خارجي لإجراء العملية داخل المستشفى، بناءً على رغبته الشخصية، وهنا لا تمنع الهيئة هذا الخيار، لكنها تشترط أن يتحمل المريض الفرق المالي بين سعر العملية المعتمد لدى الضمان، وأجور الطبيب الخارجي.
وأكد عبيد أن الهيئة تتعاقد مع مستشفيات تضم أطباء أكفاء، إلا أن بعض المرضى يفضلون أطباء بعينهم من خارج المستشفى، وهو حق اختياري للمريض، لكنه يترتب عليه تحمل التكاليف الإضافية، وفي هذه الحالات، تقوم المستشفى بتزويد المريض بالفواتير، وعند مراجعة هيئة الضمان يتم احتساب المبلغ المتعاقد عليه فقط، فيما يتحمل المريض باقي الكلفة الناتجة عن خياره الشخصي.
وبيّن عبيد أن بعض المستشفيات الأخرى الملتزمة بتطبيق القانون، لا تستقبل المرضى المشمولين بالضمان إلا من خلال أطباء المستشفى حصراً، وبحسب أسعار الضمان المعتمدة، وتشدد على أن المريض لا يحق له مراجعة المستشفى مصطحباً طبيباً خارجياً، إذ تعتمد هذه المستشفيات على كوادرها الطبية من الاستشاريين، إضافة إلى أقسام المختبرات والأشعة والعمليات، لتقديم الخدمات العلاجية، ومؤكدة أن استقبال أي مريض مشمول بالضمان يتم فقط وفق أسعار الضمان، وهو ما يعد التزاماً واضحاً بإجراءات القانون.
وختم مدير عام الضمان الصحي حديثه بالتأكيد على أن الهيئة تعمل وفق أسعار محددة وواضحة مع المستشفيات المتعاقدة، وتهدف من خلال هذه الإجراءات إلى تحقيق العدالة في تقديم الخدمات الصحية، وضمان حقوق المواطنين المشمولين بنظام الضمان الصحي.
احصائيات
وفي احصائية لوزارة الصحة بلغ عدد المسجلين ضمن مشروع الضمان الصحي في العاصمة بغداد أكثر من مليوني مواطن، من بينهم أكثر من 68 ألفاً من ذوي الإعاقة، كما تم تسجيل جميع ذوي الإعاقة المسجلين في بغداد ضمن المشروع، وتم التعاقد على إطلاق نظام رقمي متكامل يربط المؤسسات الصحية ويوحّد البيانات الطبية، والعدد التقريبي للمشمولين في كل محافظة سيكون بين 100 إلى 150 ألف مواطن، مع زيادة تدريجية مستمرة في أعداد المستفيدين.