تأخر الموازنة "يربك" الاقتصاد العراقي.. الأسعار تلتهب والرواتب في دائرة الخطر
البرلمان يستنفر والجيش يراجع دفاعاته.. بغداد تتحرك لمنع انتهاك الأجواء العراقية مجدداً
النفط العراقي في مرمى الأزمة.. تصاعد التوترات الإقليمية يهدد خطط الإنتاج والاستثمار
14 يومًا قبل الظلام.. الأردن يواجه ثمن "خضوعه" للغاز الإسرائيلي
مسيرات مركزية في بغداد غدًا السبت تنديدًا بالعدوان الصهيوني على إيران
في ظل تصاعد الخلافات بين الحكومة الاتحادية والسلطة التشريعية، يعيش العراق حالة من الغموض الاقتصادي نتيجة تأخر إرسال جداول موازنة 2025، هذا التأخير لا يقتصر على أرقام مجمدة أو أوراق لم تُوقّع، بل يمتد أثره إلى حياة المواطنين اليومية، من أسعار الغذاء المتصاعدة إلى تهديد صرف الرواتب، مرورًا بتجميد المشاريع الاستثمارية وارتفاع معدلات البطالة.
ويؤكد الخبير الاقتصادي منار العبيدي، أن "تأخير جداول الموازنة يؤثر سلباً على معدل النمو الاقتصادي في العراق، نتيجة تعطّل صرف الأموال المخصصة للمشاريع والاستثمارات، ما يؤدي إلى تجميد الإنفاق العام".
وأضاف، أن "حالة عدم اليقين الناتجة عن التأخير تنعكس على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، وتجعلهم يترددون في دخول السوق العراقية أو التوسع فيها".
ويرى العبيدي أن "غياب الموازنة يؤثر بشكل مباشر على تنفيذ المشاريع الحيوية، والتي تتوقف أو تتباطأ، مما يزيد من نسب البطالة ويحد من فرص النمو الاجتماعي، خصوصًا في القطاعات الخدمية والبنية التحتية".
وأشار إلى وجود "احتمال واقعي بأن ينقضي العام دون إقرار الموازنة، في ظل الخلافات السياسية القائمة، الأمر الذي يعقّد المشهد الاقتصادي ويضعف أداء الحكومة في تحقيق أهداف التنمية".
ولم يستبعد العبيدي وجود "آثار سلبية على الاستثمارات، بسبب غياب الاستقرار المالي، وتأخير الموازنة، وغياب وضوح الرؤية الاقتصادية، ما يزيد من المخاطر التي تحيط بأصحاب رؤوس الأموال".
وتابع أن "توقف أو تباطؤ المشاريع الحيوية نتيجة عدم توفر التمويل سينعكس بشكل مباشر على معدلات البطالة، لا سيما بين فئات العمالة اليومية والشباب، ويضعف النمو الاجتماعي، مع تأثر خدمات التعليم والصحة والبنى التحتية، مما يزيد من التفاوت المعيشي ويقلل فرص تحسين الواقع الاقتصادي للمواطنين".
ورجّح العبيدي أن "تمضي السنة دون موازنة إذا استمرت الخلافات السياسية وتداخلت المصالح، ما يعني استمرار الحكومة في العمل وفق قاعدة 1/12 من موازنة العام الماضي، وهو ما يحد من قدرتها على تنفيذ مشاريع جديدة أو معالجة أزمات طارئة".
ورغم أن القوانين النافذة تلزم الحكومة الاتحادية بإرسال جداول الموازنة إلى مجلس النواب قبل انتهاء السنة المالية، فإنها لم تفعل حتى الآن، ما أثار الكثير من الجدل والاتهامات.
وفي هذا السياق، اتهم عضو اللجنة المالية النيابية، مصطفى الكرعاوي، الحكومة الاتحادية بتعمد تأخير إرسال جداول موازنة 2025، مشيرًا إلى وجود مخالفات قانونية ودستورية.
وقال الكرعاوي، إن "المادة (77/ثانيًا) من قانون الموازنة الاتحادية الثلاثية، تلزم مجلس الوزراء بإرسال الجداول قبل نهاية السنة المالية، وإن تجاهل هذا النص يُعد مخالفة صريحة".
وأكد أن "الحكومة تتحمل مسؤولية تعطيل أغلب النشاطات المالية والتشغيلية، وتأخير استحقاقات الموظفين من علاوات وترفيعات، نتيجة عدم إرسال الجداول في الوقت المحدد".
وأشار الكرعاوي إلى أن "مجلس النواب صوّت على الموازنة الثلاثية بشرط التزام الحكومة بالمواعيد القانونية، وإن استمرار التأخير يمثل إخلالًا واضحًا بالتزامات الحكومة تجاه السلطة التشريعية".
بدوره، اتفق الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه مع هذه الرؤية، قائلاً إن "الحكومة لم ترسل سوى تعديل واحد يتعلق بالمادة 12 والخاصة بنفط إقليم كردستان، وتجاهلت إرسال الجداول الكاملة، وهو ما يُعد مخالفة دستورية وقانونية".
وأوضح أن "أسباب تعطل إرسال الجداول تعود إلى الخلافات حول تكاليف إنتاج النفط في الإقليم (16 دولارًا للبرميل)، واعتماد جهة استشارية دولية للتحكيم، إضافة إلى تأثير نظام المحاصصة وغياب الإرادة السياسية، خاصة مع قرب الانتخابات".
وأضاف أن "انخفاض أسعار النفط من 70 دولارًا المُخطط له إلى نحو 60 دولارًا فعليًا، خلق فجوة بين الإيرادات والنفقات، بينما تتحمل الحكومة المسؤولية لعدم التزامها بالمواعيد القانونية، بحجة إعادة تكييف الإيرادات".
واقترح عبد ربه "تعديل سعر النفط الافتراضي ليعكس الواقع الفعلي (50–60 دولارًا بدلاً من 70)، وتنويع الإيرادات عبر زيادة الضرائب على المنافذ الحدودية، ورفع جباية الكهرباء، مع إصدار سندات حكومية لتمويل العجز، بدلاً من سحب الأمانات".
ويزداد القلق من عدم توفر جداول الموازنة حتى لعام 2026، خصوصًا مع اقتراب الانتخابات التشريعية المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل، وما يتبعها من مفاوضات لتشكيل الحكومة ثم الدخول في دورة جديدة من مناقشة الموازنة".
من جانبه، حذّر المحلل السياسي عبد القادر النايل من تداعيات هذا التأخير، معتبرًا أن دخول الشهر السابع من العام دون إقرار الموازنة يعكس وجود أزمة مالية عميقة داخل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
وقال النايل، إن "استمرار هذا التأخير يثير قلقًا مشروعًا لدى الشارع العراقي، خصوصًا مع اقتراب البلاد من الدخول في مرحلة حكومة تصريف الأعمال المرتبطة بموعد الانتخابات، ما يهدد بغياب الموازنة لعام 2026 كذلك".
وأضاف أن "غياب الاستقرار المالي يُظهر تخبطًا في التخطيط داخل وزارة المالية، ما ينذر بفوضى اقتصادية قد تؤثر على صرف رواتب الموظفين وتوفير مفردات البطاقة التموينية"، مؤكدا "استمرار هذا النهج المالي غير المدروس يشكّل خطرًا على الأمن الاقتصادي والاجتماعي في البلاد، ويثير تساؤلات جدية حول قدرة الحكومة على إدارة المرحلة المقبلة".
وسط غياب الرؤية الاقتصادية الواضحة واستمرار التنازع السياسي، يبدو أن الاقتصاد العراقي يواجه عاصفة غير مسبوقة من التحديات. فالموازنة ليست مجرد إجراء محاسبي سنوي، بل هي شريان الحياة للمواطن، وخارطة الطريق لتنمية البلاد واستقرارها. إن الاستمرار في إدارة البلاد وفق قاعدة "1/12" يُجمد الطموحات ويؤسس لركود اقتصادي طويل الأمد.
وفي هذا الإطار، يطالب الخبراء بضرورة تحييد الملف الاقتصادي عن التجاذبات السياسية، واعتماد آليات قانونية صارمة تُجبر الحكومة على الالتزام بالمواعيد الدستورية، فما لم يتم التحرك سريعًا، فإن البلاد لن تواجه فقط أزمة موازنة، بل أزمة ثقة شاملة قد تُطيح بأي مشروع إصلاحي في المستقبل القريب.