رفعت السلطات العراقية، المبالغ المالية التي تقدمها للمواطنين لقاء تسليم الأسلحة التي بحوزتهم، خاصة المتوسطة والثقيلة التي باتت تدخل بشكل واضح في النزاعات العشائرية، مثل مدافع الهاون وقذائف الـRBG7 والرشاشات الثقيلة والصواريخ قصيرة المدى، وذلك في إطار خطة واسعة لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تهدف إلى تضييق مساحة السلاح المنفلت في البلاد.
ورغم مرور عدة أشهر على الحملة التي انطلقت في مطلع العام الحالي من خلال فتح مراكز تسليم في المدن والأرياف، إلا أن التجاوب ما زال ضعيفاً، وهو ما دفع الحكومة إلى رفع قيمة ما سيحصل عليه المواطنون من أموال لقاء تسليم ما بحوزتهم من أسلحة.
ووفقاً للمتحدث باسم اللجنة الوطنية المكلفة بالحملة الحكومية زياد القيسي، فإنّ الحكومة رفعت قيمة أسعار السلاح الثقيل والمتوسط مقابل تسليمه، مبيناً أنها وصلت إلى "أكثر من ستة ملايين دينار (نحو أربعة آلاف دولار)، مقابل السلاح الواحد المتوسط والثقيل من مدافع الهاون".
وأضاف القيسي، أن "توجه حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني هو حصر السلاح بيد الدولة، خصوصاً ما يتعلق بالأسلحة المتوسطة والثقيلة، التي لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن تتم حيازتها من قبل مواطن أو جهة ما غير أمنية رسمية".
وأكد القيسي، في تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية عراقية، أن "اللجنة شجعت المواطنين على تسليم مدافع الهاون من طراز 120 ملم، و80 ملم و60 ملم، عبر زيادة أسعار الشراء لكل شخص يمتلك مثل تلك الأسلحة، إذ تم تحديد السعر ما بين ثلاثة وستة ملايين دينار عراقي بحسب الفئة، (ما يعادل 2000-4000 دولار)، عن كل قطعة، وهذا يتم عبر تسجيل المواطن للسلاح عند أقرب مركز شرطة، ثم نقله بمعية الجهة الأمنية المختصة ليستلم المال بدلًا منه".
من جهته، قال عضو اللجنة بمحافظة ميسان العقيد سلام العيداني، إنه "تم رفع قيمة ما سيحصل عليه المواطن من تسليم أي نوع من الأسلحة، إضافة إلى الذخائر المتفجرة، مثل القنابل والرمان اليدوي والقذائف المحمولة على الكتف وغيرها"، مضيفاً أن "عملية تسليم الأموال تتم بسرعة بعد تسليم المواطن سلاحه".
لكن بالمقابل، يقول عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي ياسر إسكندر وتوت، إنّ "الحملة الحكومية لشراء السلاح لم تحقق حتى الآن نجاحات باهرة، لكنها وضعت الأسس لصناعة مجتمع غير مسلح، بالتالي فإن تقديم الأموال مقابل شراء الصواريخ ومدافع الهاون وغيرها، هي بداية لإنهاء المشاكل الأمنية والصراعات العشائرية والجرائم".
وأضاف وتوت، أن "ملف حصر السلاح ليس سهلاً، خصوصاً بعد أكثر من عقدين على الاحتلال الأميركي وتدهور الأوضاع الأمنية، فقد صار العراقيون يخشون على حياتهم، لكن مع الاستقرار الحالي فإن السلاح لا بد أن يُحتكر لدى جهة واحدة فقط، وهي الدولة".
من جانبه، بيَّن الخبير الأمني أحمد الشريفي أن "تقديم المبالغ المغرية ينفع مع العراقيين البسطاء الذين يملكون قطع سلاح عادية ومحدودة، لكنه لا يغري العصابات والجهات الإجرامية التي تتاجر بالممنوعات، لأن خزائنها مليئة بالأموال"، موضحاً أن "الحكومة الحالية تفكر بطريقة جيدة مع المواطنين في الحصول على أسلحتهم، لكنها لا بد أن تفكر بحملة مداهمات واعتقالات ضد العصابات التي تهدد العراقيين والتي تمتلك أسلحة كثيرة وبأنواع تكاد تكون حربية وقتالية".
وفي كانون الثاني الماضي، أعلنت وزارة الداخلية العراقية أنها أقدمت على شراء السلاح من العراقيين عبر بوابة "أور" الإلكترونية الحكومية (موقع إلكتروني)، بالإضافة إلى فتح 697 مركزاً لشراء الأسلحة من المواطنين، وبالرغم من كونها المرة الأولى التي تلجأ فيها السلطات في العراق إلى شراء الأسلحة من المواطنين، إلا أن الإقبال ضعيف، في حين أن بعض المراكز لم تشهد شراء قطعة سلاح واحدة.
ويُعدّ السلاح المنفلت في العراق من أكثر المشاكل التي تعيق الأمن والاستقرار في البلاد، لما له من تأثيرات على الأمن المجتمعي، ولا يوجد إحصاء رسمي بعدد قطع السلاح الموجودة داخل المجتمع العراقي، لكن التقديرات تتحدّث عن أرقام متفاوتة بالعادة بين 13 و15 مليون قطعة سلاح متوسط وخفيف، أبرزها بنادق "كلاشنكوف" و"بي كي سي" و"آر بي كي" الروسية، إلى جانب مدافع "هاون" وقذائف "آر بي جي" التي باتت تُستخدم أخيراً بكثرة في النزاعات العشائرية.
بينما يحرص العراقيون على امتلاك قطع سلاح داخل منازلهم كجزء من ثقافة ما بعد الغزو الأميركي للبلاد، وانعدام الأمن، واضطرار العراقيين للتفكير بالدفاع عن أنفسهم من اللصوص والاعتداءات المتوقعة.