لم يكن "داعش" الإرهابي وحده مسؤولًا عن ارتكاب مذبحة ضد الإيزيديين في سنجار عام 2014، وعن تنفيذ سياسة التطهير العرقي بحقهم واستعباد نسائهم، فالعديد من الإيزيديين من أبناء سنجار أكّدوا مسؤولية بارزاني عن الإبادة الجماعية.
إبادة جماعية مدبّرة
العديد من الإيزيديين من أبناء سنجار أكّدوا مسؤولية بارزاني عن الإبادة الجماعية. ومن بين هؤلاء ميرزا إسماعيل، رئيس منظمة حقوق الإنسان الإيزيدية الدولية، الذي أدلى بشهادته أمام الكونغرس الأميركي والبرلمان الكندي.
وقال إسماعيل إن "الإبادة الجماعية للإيزيديين دُبّرت مسبقًا. خطّط مسعود بارزاني للإبادة من أجل إقامة دولة إسلامية في كردستان".
ويتأكّد دور بارزاني من خلال مراجعة دقيقة لسلوك قوات الأمن الكردية، البيشمركة، قبل هجوم "داعش" في آب/أغسطس 2014 وأثناءه. فبعد التعهّد بحماية الإيزيديين في سنجار حتى "آخر قطرة دم"، عملت البيشمركة على تمكين "داعش" من قتل الآلاف من الرجال الإيزيديين واسترقاق الآلاف من النساء الإيزيديات، وتهجير مئات الآلاف. وبعد مرور عشر سنوات، لا يزال دور بارزاني كمنسق للإبادة الجماعية الايزيدية غير معروف تمامًا، باستثناء ما يتم تداوله بين الناجين أنفسهم.
وعد البيشمركة بالدفاع عن سنجار
قبل الإبادة الجماعية في آب/أغسطس 2014، كان الخوف بين الإيزيديين من هجوم "داعش" على سنجار يتصاعد منذ أشهر. في كانون الثاني/يناير، بدأ "داعش" حملته الخاطفة للاستيلاء على أراضٍ في شرق سوريا وغرب العراق.
وقال ميرزا إسماعيل إنه بعدما قتل "داعش" مزارعين إيزيديين في بلدة ربيعة في أيار/مايو، "علمنا أن شيئًا ما سيحدث لنا".
وبعد استيلاء "داعش" على الموصل، ثاني أكبر مدن العراق، في حزيران/يونيو بمساعدة مسعود بارزاني، أصبح الوضع أكثر إثارة للقلق. فجأة، حاصر التنظيم سنجار من ثلاث جهات: من بلدة البعاج في الجنوب، ومن تلعفر والموصل في الشرق، ومن سوريا في الغرب. وكان الطريق الوحيد لمغادرة سنجار شمالًا باتجاه المعبر الحدودي السوري ومن ثم إلى مدينة دهوك في إقليم كردستان العراق.
وأيقن العديد من الإيزيديين أن "داعش" سيهاجم سنجار، لكن مسؤولين محليين من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه بارزاني أكّدوا لهم أنه ما من سبب للقلق لأن البيشمركة ستدافع عنهم.
وكتبت الصحافية كريستين فان دن تورن في صحيفة "ديلي بيست" أن سارباست بابيري، رئيس الفرع 17 التابع للحزب الديمقراطي الكردستاني في سنجار، تفاخر قائلًا "سندافع عن سنجار حتى آخر قطرة دم".
البيشمركة تمنع مغادرة سنجار
لكن، وسط تهديد "داعش" الذي كان يلوح في الأفق، رفضت البيشمركة بشكل صادم السماح للإيزيديين بالفرار من سنجار. وأوضح أحد سكان سنجار أنه عندما شعر بالخوف وحاول الهروب مع عائلته إلى المنطقة الكردية العراقية في 1 آب/أغسطس، قبل يومين فقط من هجوم "داعش"، أوقفتهم قوات البيشمركة عند نقطة تفتيش، وأبلغوه “أننا تلقينا أوامر من بارزاني بعدم السماح لأي من السكان بالفرار”. وبعض الذين تحدوا أوامر البيشمركة أُطلقت النار عليهم .
واضاف أنه أُجبر على تسليم سلاحه إلى قاعدة محلية للبيشمركة، إذ "وثقنا بالفعل أنهم سيحموننا".
البيشمركة تنزع سلاح الإيزيديين
وقال مصدر إيزيدي من سنجار إن عناصر البيشمركة انتقلوا من منزل إلى آخر، وصادروا الأسلحة من الإيزيديين، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة التي حملها أفراد إيزيديون في الجيش العراقي معهم إلى سنجار بعد انهيار الجيش في الموصل.
وذكرت الكاتبة الأميركية والناشطة الحقوقية الكردية إيمي بيم أن قوات البيشمركة صادرت أسلحة الإيزيديين، وأن "بعضهم يؤكّدون أن وجود البيشمركة كان للسيطرة عليهم، وليس لحمايتهم، إذ لم تُقم قواعد للبيشمركة في القرى العربية المجاورة".
وأكّدت كريستين فان دن تورن أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة بارزاني حاول منع الإيزيديين من الفرار من سنجار.
ونقلت عن مسؤول محلي في الحزب الديمقراطي الكردستاني أن "كبار المسؤولين في الحزب طلبوا من ممثلي الحزب ضبط السكان، وهددوا بقطع رواتبهم إذا غادر الناس مناطقهم".
البيشمركة ترفض تسليح الإيزيديين
بسبب عدم ثقتهم بالبيشمركة، طالب الإيزيديون الذين خدموا في الجيش العراقي بإعادة الأسلحة الثقيلة التي صادرتها القوات الكردية إليهم.
وقال قاسم شيشو، وهو قائد إيزيدي في البيشمركة في الفرع 17 التابع لحزب العمال الكردستاني، إنه توسل رؤساءه الأكراد لعدة أشهر، وحتى ليلة هجوم "داعش"، إعطاء الإيزيديين أسلحة ليتمكنوا من المساعدة في الدفاع عن سنجار.
إلا أن سعيد كيستاي، القائد العام لقوات البيشمركة في سنجار، عبّر عن غضبه من طلبات شيشو، قائلًا "لم نأت إلى هنا لنعطي أسلحتنا لأحد. ما زلنا على قيد الحياة، وما دامت فينا قطرة دم، لن يدخل أحد إلى سنجار".
أوامر بالانسحاب
ولكن عندما هاجم "داعش" سنجار في وقت مبكر من اليوم التالي، في 3 آب/أغسطس، سحبت قوات البيشمركة القوية 10000 من عناصرها إلى إقليم كردستان من دون سابق إنذار. وقال قاسم شيشو إن قيادة البيشمركة "هربت قبل فرار أي مدني". وبسبب انسحاب قوات البيشمركة في وقت واحد تقريبًا من جميع الجبهات، فُتح الباب أمام "داعش" للهجوم على سنجار من جميع الاتجاهات وذبح واسترقاق أكبر عدد ممكن من الإيزيديين.
البيشمركة تكذب وتعد بالمساعدة
لم تفشل البيشمركة في تحذير الإيزيديين من هجوم "داعش" قبل الانسحاب فحسب، بل خدعتهم أيضًا، إذ طلبت منهم عدم الفرار لأن التعزيزات كانت في الطريق. الإيزيديون الذين قاوموا غزو "داعش" في بدايته بأسلحة قليلة كانت في حوزتهم رووا "قصصًا عن اتصالهم بأصدقاء ومسؤولين من الحزب الديمقراطي الكردستاني والبيشمركة أكدوا لهم أن الدعم قادم، لكن ذلك لم يحدث أبدًا. وفي الواقع، كان عناصر البيشمركة والحزب الديمقراطي الكردستاني قد انسحبوا بالفعل"، وفق كريستين فان دن تورن.
ولأن كثيرين من المقاتلين الإيزيديين بقوا في مواقعهم في مناطق مختلفة في سنجار بانتظار التعزيزات الموعودة، قتل تنظيم "داعش" نحو 200 منهم.
البيشمركة تقتل إيزيديين أرادوا قتال "داعش"
وفي قرية صور آوا، لم ينسحب المقاتلون الأكراد فحسب، بل قتلوا ثلاثة عناصر إيزيديين من البيشمركة نفسها، وهم إياد نايف مراد ويوسف جبل وعلي جبل، بعدما طالبوا قائدهم الكردي بأن يترك الأسلحة لهم ليتمكنوا من الدفاع عن القرية.
وعن الحادث، كتب الخبير في شؤون العراق جويل وينغ أنه "عندما رأى عناصر البيشمركة الإيزيديون وحدتهم تحزم أمتعتها للمغادرة، أخبروا قادتهم أنهم سيبقون للدفاع عن قراهم وطلبوا أسلحة. أدى ذلك إلى شجار وقتل ثلاثة من البيشمركة الإيزيديين". وأضاف وينغ أن "القرار الكردي سمح لداعش بمحاصرة القرى الجنوبية، ومن ثم السيطرة على بقية المنطقة بعدما تغلبوا على القرويين المسلحين بأسلحة خفيفة".
وقال قريب أحد الرجال الإيزيديين الثلاثة إنه قبل اندلاع القتال، قال قائد البيشمركة إن لديه أوامر من أعلى المستويات بعدم إعطاء أي أسلحة للإيزيديين.
البيشمركة تحاصر الإيزيديين
وفي حالة أخرى، منع مقاتلو البيشمركة الإيزيديين من الفرار إلى جبل سنجار، مما مكّن مقاتلي "داعش" من القبض على أكثر من 1000 منهم.
في شهادتها أمام برلمان بريطانيا، قالت سلوى خلف راشو، وهي فتاة إيزيدية تبلغ من العمر 16 عامًا، إنها عندما حاولت الفرار مع عائلتها إلى الجبل، "أوقفتنا نقطة تفتيش تابعة للبيشمركة ومنعتنا من إكمال طريقنا". وعندما سلكوا طريقًا آخر أطول للفرار نحو الجبل، "صوبت قافلة من البيشمركة مع قائدها سارباست بابيري وجنوده بنادقهم نحونا وهددونا"، وقالوا لسلوى وعائلتها: "ابتعدوا عن الطريق لتتمكّن قافلة البيشمركة من الفرار أولًا والوصول إلى الجبل". واضافت أنه بعد خروج قافلة البيشمركة، "تعطلت إحدى السيارات وأغلقت الطريق ما أدى إلى ازدحام مروري. كنا ننتظر. وخلال هذه الفترة، وصل إلينا إرهابيو داعش وحاصرونا".
تعرّضت سلوى للاسترقاق والاغتصاب لمدة ثمانية أشهر على يد أحد قادة "داعش" قبل أن تتمكّن من الفرار.
ويظهر مقطع فيديو أن السيارة التي تسبّبت في ازدحام مروري لم تكن مدنية، بل مركبة عسكرية للبيشمركة. وأكّد ميرزا إسماعيل أن البيشمركة تعمّدت محاصرة الإيزيديين بقطع الطريق. وقال "وضعوا السيارة في الطريق وقالوا إنها معطلة. ثم قالوا للناس إن عليهم العودة. كان مسلحو داعش وراءهم وأُسر الكثيرون. كانت عائلتي هناك لكنهم تمكنوا من الفرار. كان هناك اثنان من أبناء عمومتي هناك".
أكراد في صفوف "داعش"
يفترض على نطاق واسع بأن مقاتلي "داعش" كانوا من العرب السنة فقط. لكن مقاتلين أكرادًا كثرًا قاتلوا في صفوف التنظيم خلال الهجوم على سنجار.
أحد الإيزيديين من سنجار قال "أخطر الأشخاص على الإيزيديين هم الأكراد. كانوا يعيشون في سنجار أيضاً، وليس العرب فقط.
وقام عناصر داعش الأكراد بقتل العديد من الإيزيديين، خصوصاً في وسط مدينة سنجار".
وذكر إيزيدي من قرية كرزرك أنه عندما هاجم "داعش" في وقت مبكر من يوم 3 آب/أغسطس، قام اثنان من جيرانه الأكراد بقيادة شاحنة صغيرة مع مقاتلين من "داعش"، وفتشوا المنازل للعثور على إيزيديين لقتلهم.
وأضاف ان "الشيء الوحيد الذي نريده هو الانتقام من هؤلاء الخونة الأكراد الذين عذبونا".
وقال إيزيدي من سنجار في وقت لاحق فقط اكتشفنا" إن مسلمين من ثلاث قبائل كردية محلية "انضموا إلى ميليشيا داعش ومهدوا الطريق لها". وأضاف أن "العديد من أفراد البيشمركة يتعاطفون مع داعش أيضًا".
البيشمركة تنضم إلى "داعش"
وقالت إيزيدية إنها أثناء هروبها وشقيقها سيرًا على الأقدام نحو الجبل، رأت بعض أفراد البيشمركة الأكراد ينضمون إلى "داعش". وأضافت "خلف تلة أكبر رأينا ثلاث مركبات للبيشمركة. كان بإمكاننا أن نرى كيف خلع أفراد البيشمركة زيهم الرسمي وارتدوا ملابس داعش السوداء. لقد صدمت. لا أعرف عددهم، لكن كان هناك الكثير منهم".
وقال محام إيزيدي وثّق شهادات ناجين من الإبادة الجماعية "لدي أكثر من 500 شهادة، الجميع يقولون الشيء نفسه: لقد خانتنا البيشمركة. ورأى كثيرون منهم كيف انضم أفراد البيشمركة إلى داعش، وقالو إن الطلقة الأولى أتت من البيشمركة. عمليات القتل الأولى بدأت على يد البيشمركة".
بارزاني يؤوي قيادات "داعش"
بعد ارتكاب الإبادة الجماعية، لجأ بعض أعضاء "داعش" الأكراد إلى منطقة كردستان الخاضعة لنفوذ بارزاني. وقال الناشط الكردي البارز قادر نادر إنه في أعقاب الإبادة الجماعية للإيزيديين، كان قادة "داعش" المقرّبون من أبو بكر البغدادي يقيمون في عاصمة الإقليم الكردي، أربيل، تحت حماية الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة بارزاني الذي قدم لهم شققاً آمنة ورواتب سخية.
على سبيل المثال، اكتشف الإيزيديون أن قائد "داعش" الذي ساعد في قيادة الإبادة الجماعية، صلاح مصطفى قرباش، كان يعيش لاحقًا في أربيل. وتعرّف الإيزيديون إلى قرباش من مقابلة تلفزيونية أجراها خلال هجوم آب/أغسطس 2014 وبرّر فيها أخذ النساء الأيزيديات كعبيد جنس، ودعا الإيزيديين إلى اعتناق الإسلام أو القتل.
عام 2017، ظهر قرباش على محطة تلفزيونية مموّلة من الحزب الديمقراطي الكردستاني في أربيل، وأعلن تأييده للاستفتاء الذي دعا اليه بارزاني من أجل استقلال الأكراد، واصفًا إياه بأنه خطوة نحو إقامة دولة إسلامية.
لماذا دبّر بارزاني الإبادة الجماعية؟
قبل الإبادة الجماعية وأثناءها، قامت قوات البيشمركة التابعة لمسعود بارزاني بمحاصرة الإيزيديين ونزع سلاحهم وخداعهم والتخلي عنهم. ومكّنت خيانة البيشمركة للإيزيديين تنظيم "داعش" من ذبح واسترقاق الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، في حين أجبر مئات الآلاف على الفرار من سنجار.
لكن لماذا استخدم بارزاني البيشمركة لارتكاب إبادة جماعية للإيزيديين بالشراكة مع "داعش"؟
إيزيدي من سنجار شرح دوافع البارزاني، مشيرًا إلى أن "المسلمين الأكراد ليسوا من السكان الأصليين لسنجار، لكنهم يريدون الاستيلاء عليها. يستولون على الأراضي ثم يبنون المساجد ويقتلون بعض الناس ويسيطرون على الأرض ويحاولون تحويل الناس إلى الإسلام بالقوة".
لن ينال الناجون الإيزيديون من الإبادة الجماعية العدالة حتى محاسبة مدبرها مسعود بارزاني.