بات من شبه الروتيني في هذه الأيام أن يطلع العراقيون على تفاصيل عمليات فساد بأرقام تقدر بموازنات دول، إذ ابتلعت مليارات الدولارات واختفت في صفقات فساد، أما "أبطال" هذه العمليات فيطلق سراحهم، ومن بينهم من يظهرون على شاشات التلفاز ويكملون حياتهم كأثرياء، أما الأموال المختفية فتبقى مثل أحجية صعبة يتداولها العراقيون لفك رموزها من دون إجابات شافية، بل إن السلطات الثلاث في العراق تتجنب الحديث في تفاصيلها وكيف تلاشت ملاحقة المتهمين بها.
وعاد العراقيون اليوم للحديث عن "علي غلام" الذي تحوم حوله الشبهات، والمدير لأربعة مصارف عراقية، اعتقل في 18 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022 لدى وصوله إلى مطار بغداد وفق أحكام المادة 456 من قانون العقوبات العراقي التي تنص على عقوبة "الحبس لكل من توصل إلى تسلم أو نقل حيازة مال منقول مملوك للغير لنفسه أو إلى شخص آخر".
ولكن عملية اعتقاله لم تدم طويلاً، إذ أطلق سراحه بكفالة، ووصفت عملية الإفراج عنه بأنها الأسرع، وأصبحت مثار جدل على وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك من دعا وعلى نحو ساخر إلى تسجيلها ضمن موسوعة غينيس للأرقام القياسية "كأقصر اعتقال في التاريخ".
وتكشف عمليات التدقيق الأميركي في بنوك غلام، التي جرى استكمالها في أيار (مايو) الماضي، والتي عرضتها "وول ستريت جورنال"، تفاصيل غير عادية عن معاملات مالية خارجية، ووصفت الصحيفة علي غلام بأنه "ملك الدولار" بلا منازع في العراق لمدة عقد من الزمان تقريباً، إذ حولت مصارفه الثلاثة في بغداد عشرات مليارات الدولارات خلال تلك الفترة خارج البلاد ظاهرياً لشراء قطع غيار سيارات وأثاث وغير ذلك من الواردات، وهو كان أحد أكبر المشغلين في نظام مصرفي موقت أنشئ قبل نحو عقدين من الزمن في ظل الوجود العسكري الأميركي، مما منح "الاحتياط الفيدرالي الأميركي" (البنك المركزي للولايات المتحدة) دوراً رئيساً في معالجة المعاملات الدولية للعراق.
وبحسب عمليات التدقيق، فأن علي غلام امتلك تجارة في مجال الملابس ببغداد كواجهة لبيع الدولار في السوق السوداء، وبدأ بشراء الحصص في بنك الشرق الأوسط للاستثمار خلال عام 2008 وامتلكه بالكامل في 2014، واستحوذ بعدها على مصرفي الأنصاري والقابض وصار اللاعب الأكبر على الساحة.
وأشارت عمليات التدقيق إلى أن مصارفه الثلاثة أخرجت 3.5 مليار دولار خلال 6 أشهر قبل حظرها في 2022، الحوالة الأقل من المصارف الثلاثة بلغت 2.97 مليون دولار والأكثر بلغت 17 مليون دولار لشركات مجهولة في الإمارات، وأن شركة واحدة فقط أرسلت 243 مليون دولار على 17 دفعة عبر مصرف الشرق الأوسط للاستثمار، هذه الحوالات أثارت "إشارة حمراء" لدى الأمريكيين باعتبارها مؤشرا على مخطط لغسيل الأموال، مبينة أن مصارفه الثلاثة أرسلت أموالا بالنيابة عن عدد محدود من العملاء أنشأ أغلبهم حسابات في تلك المصارف باليوم نفسه في 2016.
وتابع التقرير، أن فواتير الحوالات كانت تعنون لاستيراد سجاد وسيارات وبضائع وسلع "بشكل عام"، وأن الفواتير كانت تبدو "مشبوهة" لأنها افتقرت لوثائق داعمة مثل شهادة المنشأ وبوالص الشحن.
وأوضحت عمليات التدقيق، أن حوالات المصارف الثلاثة ذهبت حصرا لخمس شركات صغيرة "غير معروفة" جميعها تمتلك حسابات في أحد المصارف بدبي، وأن الشركات المستفيدة من الحوالات لا وجود لها على الإنترنت "تقريبا" ولا تمتلك مؤشرات على توريد بضائع إلى العراق بما يتناسب مع مبالغ الحوالات الضخمة.
وبحسب عمليات التدقيق، فأنها لم تتمكن من معرفة طبيعة النشاط والموقع الجغرافي بالتحديد للشركات المستفيدة من حوالات مصارف علي غلام، وأن السلطات الإماراتية ألغت رخصة إحدى الشركات الكبرى المستفيدة من الحوالات بعد أيام من الحظر الأمريكي على مصارفه الثلاثة في 2022، مشيرة إلى أن جميع الأطراف المشاركة في عملية التحويل تبدو وكأنها "شبكة"، وأن معظم الواردات التي مولتها مصارف غلام لم تصل إلى العراق قط.