من الأزمة إلى الاكتفاء.. مزارعو نينوى يروّضون حرارة الشمس لتوليد الكهرباء ويقودون ثورة الطاقة المتجددة في العراق

أمس, 19:10
1 176

في ظل أزمة كهرباء مزمنة، قرر مزارعون بالعراق عدم انتظار الحلول الحكومية فتوجهوا نحو الشمس كمصدر للطاقة، محققين استقلالًا كهربائيًا يغير وجه الزراعة ويكشف عن مستقبل واعد للطاقة المتجددة في البلاد.

يواجه العراق، العضو في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وأحد أكبر منتجي النفط في العالم، صعوبة في توفير الطاقة لمواطنيه منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003 وأطاح بصدام حسين.

وفي ظل الاضطرابات التي أعقبت ذلك، أدى تراجع الاستثمار وسوء الإدارة إلى عدم قدرة الشبكة الوطنية على مواكبة الطلب على الطاقة.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل


وفي الموصل بمحافظة نينوى الزراعية في شمال البلاد، حيث ترتفع درجات الحرارة إلى ما فوق 40 درجة مئوية خلال الصيف، يواجه المزارعون تحديًا كبيرًا في تأمين الكهرباء اللازمة لري محاصيلهم، حيث شبكة الكهرباء توفر عندها إمدادات لنصف الوقت فقط تقريبا، بحسب شاهد لرويترز.

عبد الله العلي، مزارع قمح من محافظة نينوى، كان يدفع نحو مليون دينار عراقي شهريًا (تعادل: 763.94 دولار)، فاتورة لكهرباء غير مستقرة، قبل أن يتخذ خطوة جريئة نحو الطاقة الشمسية، مثله مثل عدد متزايد من المزارعين، الذين لجأوا لاستخدام الألواح الشمسية لضمان استمرار أنظمة الري الخاصة بهم في العمل خلال حر الصيف اللافح في العراق.

ويقول العلي إنه بدأ في استخدام الطاقة النظيفة في المزرعة منذ سنتين، وكانت البداية في المنزل. وبعدها لاحظ انخفاض الفواتير واستقرار الكهرباء، فقرر توسيع النظام ليشمل المعدات الزراعية أيضا. واليوم، يدفع العلي 80 ألف دينار فقط للشبكة الوطنية، ويعتمد بشكل شبه كامل على الطاقة الشمسية التي توفر له الكهرباء لمدة تصل إلى 11 ساعة يوميًا في الصيف.

وبالإضافة إلى ثرواته النفطية، يتمتع العراق بإمكانات هائلة في مجال الطاقة الشمسية تقول السلطات إنها ستستغلها لسد الفجوة بين العرض والطلب، وفي الوقت نفسه للحد من انبعاثات الكربون.

ووفقا لوزارة الكهرباء، فإن لدى الدولة خطة لامتلاك القدرة على إنتاج 12 غيغاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2030، وهو ما يتضمن تنفيذ محطة للطاقة الشمسية بقدرة واحد غيغاوات للبصرة هذا العام.

 

قروض حكومية للألواح الشمسية

وتشير تقديرات وزير الكهرباء العراقي في يناير/ كانون الثاني إلى أنه من المتوقع أن تصل ذروة الطلب على الكهرباء في فصل الصيف في عام 2025 إلى 55 غيغاوات، في حين تبلغ الإمدادات 27 غيغاوات فقط، ما يعادل النصف تقريبا.

ويقدم البنك المركزي أيضا قروضا بفائدة منخفضة للمواطنين الذين يشترون الألواح الشمسية، لكن بعض المزارعين مثل العلي لم يسعوا بعد للحصول على الدعم الحكومي ويقول الرجل: "حاليا أنا اعتمدت كمزارع على نفسي بالموارد الذاتية".

ويستطيع المزارعون في أنحاء نينوى استخدام الألواح الشمسية المثبتة على الأسطح أو في صفوف على الأراضي الزراعية لتشغيل أنظمة الري وتلبية احتياجات المنازل. وفي المناطق الحضرية يجري رص الألواح متجاورة على الأسطح المستوية، التي تميز منازل الموصل، لتوليد أقصى قدر من الطاقة.

في الموصل، يشهد المهندس الزراعي حسن طاهر تحسنًا كبيرًا في حياته المنزلية بعد تركيب الألواح الشمسية، حيث لم يعد بحاجة إلى المولدات، ويستمتع بكهرباء مستقرة دون انقطاع.

أما الشركات المحلية، مثل "موصل سولار"، فتشهد طلبًا متزايدًا. وقال محمد القطان، الذي يدير "موصل سولار" لأنظمة الطاقة الشمسية، إن الإقبال ارتفع بشكل كبير في عامي 2024 و2025، وخاصة من المجتمعات الريفية، حيث يعيش 70 بالمئة من عملائه. ويضيف القطان: "سكان مدينة الموصل تقريبا اليوم بنقول 10 بالمئة داخل المدن يستخدمون الطاقة الشمسية. وإذا نرجع ونقول القرى والأرياف، تقريبا نسبة 70 بالمئة بالقرى والأرياف تحولوا على الطاقة الشمسية بسبب أغلب القرى لا يوجد مولدات أهلية".

ويبلغ متوسط سعر النظام الذي يولد ما بين خمسة إلى ستة كيلووات حوالي خمسة ملايين دينار. وقال القطان "منظومات الطاقة الشمسية، تقريبا خمسة كيلو وات أو ستة كيلو وات، اللي هي تغذي 20 أمبير بالنهار و10 أمبير بالليل، هاي المنظومة الكلفة التقديرية لها بشكل تقريبي خمسة مليون دينار عراقي (3817.89 دولار). هاي كمتوسط سعر، هناك أغلى وأقل".

 

 

مشروع ذو جدوى اقتصادية

ويقول الكثير من المستخدمين إنهم يستعيدون التكلفة الأولية في غضون ما يتراوح بين عام وثلاثة أعوام، وتأتي معظم الأنظمة مع ضمان لمدة 15 عاما.

ويرى القطان أنه "مقارنة مع المولدات الأهلية فهذا السعر التقريبي يطلع خلال سنتين، هذا الرقم تقريبا يقدر يتوفر للمواطن وبيكون بقية المنظومة مجاني لمدة 30 سنة العمر الافتراضي للألواح".

ويتجنب المستخدمون بذلك أيضا الحاجة إلى مولدات الديزل باهظة الثمن، والتي تنبعث منها مستويات عالية من ثاني أكسيد الكربون وغيره من الملوثات.

وفي المناطق الحضرية، لجأ عدد من أصحاب المنازل إلى الاشتراك في مصدر احتياطي من مولد كهربائي، بتكلفة تتراوح بين 50 ألفا و100 ألف دينار شهريا.

وذكر أحمد محمود فتحي، المدير في فرع نينوى التابع لشركة الكهرباء الحكومية، أن أنظمة الطاقة الشمسية المثبتة منفصلة عن الشبكة، مما يعني أن أصحابها مكتفون ذاتيا تقريبا من الطاقة. وقال فتحي "إن شاء الله، بعد إقرار قانون الطاقة المتجددة من قبل مجلس النواب، راح يكون هنالك سعر تعرفة للطاقة الكهربائية المتولدة من الطاقة المتجددة. فبإمكان المواطن إذا اكتفى بالطاقة الشمسية إن يرجع للشبكة الوطنية ويتقاضى المبالغ من وزارة الكهرباء عن قيمة الكهرباء التي راح يصدرها (يوفرها) للشبكة الوطنية".

ولا يدفع المستخدمون لدائرة الكهرباء إلا مقابل استخدام الشبكة الوطنية ليلا، وهو ما يجذب المزارعين بشكل خاص لأنهم يستخدمون مضخات الجهد العالي نهارا ولا يحتاجون إلى الكهرباء ليلا.

وقال عمر عبد الكريم شكر رئيس شركة سما الشرق، التي تبيع الألواح الشمسية، لرويترز: "من ناحية التسهيلات اللي قدمتها الحكومة، أول شي رفعت الغرائم (الضرائب) على محتويات الطاقة (الشمسية) من ألواح وبطاريات. وفي نفس الوقت قدمت مبادرة معينة من البنك المركزي. لكن واجهنا بعض الصعوبات مع مبادرة البنك المركزي، أهمها هي نسبة الفوائد، على مدار سبع سنين قدّرت تقريبا بواحد وثلاثين بالمئة".