منذ تسلّم المدعو «أبو محمد الجولاني» زمام السلطة في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد، دخلت سوريا مرحلة جديدة من العنف، لكن هذه المرة بثوب “الدولة الانتقالية”. فالرجل الذي حاول إعادة تدوير صورته من قائد تنظيم إرهابي إلى “رجل دولة”، فشل سريعًا في إخفاء جذوره الإجرامية، إذ سرعان ما تحوّلت المناطق الخاضعة لسلطته إلى ساحات تصفية حسابات طائفية، كان العلويون المدنيون في مقدمتها.
تحت ذريعة “محاسبة فلول النظام”، فُتحت أبواب الدم على مصراعيها، وجرى استهداف مدنيين على أساس الهوية المذهبية، في مشهد يعيد إلى الأذهان أسوأ فصول الإرهاب الذي مارسته التنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق. ما يجري اليوم لا يمكن فصله عن فكر الجولاني نفسه، القائم على الإقصاء والتكفير، مهما حاول تسويقه بخطابات سياسية ناعمة.
تفجير مسجد الإمام علي في حمص: رسالة دم لا لبس فيها
شكّل تفجير مسجد الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)في حي وادي الذهب بحمص ذروة هذا المسار الإجرامي. التفجير الذي استهدف مصلين مدنيين عُزّل، لم يكن حادثًا أمنيًا معزولًا، بل رسالة واضحة مفادها أن العلويين ليسوا آمنين حتى في دور عبادتهم.
الهجوم كشف فشل – أو تواطؤ – السلطة الجديدة في حماية أبسط حقوق الإنسان، وعلى رأسها الحق في الحياة. فالمناطق التي يفترض أنها تخضع لسيطرة الحكومة الانتقالية، باتت مسرحًا مفتوحًا للتنظيمات المتطرفة التي تتحرك بحرية، في ظل صمت رسمي مريب، يرقى إلى مستوى الشراكة غير المعلنة في الجريمة.
إن استهداف مسجد يحمل رمزية دينية عميقة، وفي مدينة أنهكها الصراع، يؤكد أن المشروع القائم ليس مشروع دولة، بل مشروع انتقام دموي مغلف بشعارات “التحرير”.
إدانة رسمية من الحكومة العراقية
أصدرت وزارة الخارجية العراقية بيانًا رسميًا تدين فيه بأشد العبارات الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجد الإمام علي بن أبي طالب في حي وادي الذهب بمدينة حمص، معتبرة ما حدث “اعتداءً إرهابيًا يتنافى مع القوانين والأعراف الإنسانية” و”يستهدف المدنيين الأبرياء ودور العبادة”.
وأكد البيان رفض العراق القاطع لكل أشكال الإرهاب والعنف والتطرف مهما كانت دوافعها، مع تقديم التعازي الحارة لأسر الضحايا وتمنيات بالشفاء للمصابين، مؤكدًا دعم بغداد “للجهود الإقليمية والدولية في مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه”.
هذا الموقف يعكس موقف الدولة العراقية الرسمي الداعم للاستقرار في المنطقة، ولجهود مكافحة المجموعات المسلحة التي تستهدف المدنيين في سوريا وغيرها من الدول.
ردود فعل قادة سياسيين ودينيين
على المستوى السياسي والوطني، خرجت بيانات من قيادات عراقية تندد بالتفجير وتُبرز خطورته على السلم الأهلي في المنطقة، خاصة أن الهدف كان مدنيين يؤدون صلاة الجمعة. من أبرز هذه الردود:
مقتدى الصدر زعيم التيار الوطني الشيعي، نعَى شهداء الهجوم ووجّه دعوة للحكومة السورية بضرورة حماية المدنيين ومنع تداعيات قد تدفع نحو انزلاق طائفي أوسع في سوريا والمنطقة.
قيس الخزعلي الأمين العام لعصائب أهل الحق، وصف التفجير بأنه عمل “همجي وجبان”، مشددًا على ضرورة حماية الأقليات السورية من مثل هذه الاعتداءات الإرهابية، معتبرًا أن مثل هذه الأعمال تضر بأمن واستقرار المنطقة ككل.
الرأي الشعبي والاجتماعي
في الأوساط العراقية، سواء عبر منصات التواصل أو في النقاشات المجتمعية، لوحظ تعاطف واسع مع ضحايا التفجير واستنكار لأي عمل يستهدف المدنيين ودور العبادة. الكثير من الناشطين والعراقيين عبر الإنترنت وصفوا الحادث بـ”الفظيع” و”الهجوم الجبان” وأكدوا أن الإرهاب لا يعترف بحدود أو طوائف، معتبرين أن حماية المدنيين والمقدسات يجب أن تكون أولوية لجميع القوى في المنطقة.
كما عبّر البعض عن خشيتهم من تأثير مثل هذه الاعتداءات على التوترات الطائفية في المنطقة، مؤكدين أن استمرار مثل هذه الأعمال يمكن أن يفاقم النزاعات بين المجتمعات المختلفة، ومشددين على أن الأمن والاستقرار ليسا هدفًا في سوريا فقط بل في جميع دول المنطقة، بما فيها العراق.
سلطة انتقالية أم نسخة محدثة من الإرهاب؟
يحاول الجولاني الظهور كضامن للاستقرار، لكنه عمليًا يقود سلطة عاجزة عن كبح جماح الفصائل المتطرفة، أو غير راغبة في ذلك. فغياب المحاسبة، واستمرار الجرائم بحق الأقليات، يعكسان طبيعة الحكم القائم على السلاح والعقيدة، لا على القانون.
المشهد السوري اليوم ينذر بانزلاق خطير نحو حرب أهلية طائفية، يكون وقودها المدنيون الأبرياء، ما لم يتم كبح هذا النهج الإجرامي. فدولة تُبنى على الخوف والإقصاء، لا يمكن أن تكون وطنًا، ومن يبرر قتل المدنيين اليوم، لن يكون يومًا صانع سلام.