يترقب الفلسطينيون بحذر وخوف شديدين، ما سيجري في قطاع غزة خلال الأيام المقبلة، وسط التهديد الإسرائيلي بـ"إغراق انفاق حماس، أو ما تصفه بمترو حماس"، وسط تحذيرات من انهيار "التربة" وتلوث المياه الجوفية.
وتستخدم حركة حماس منذ أكثر من عقد، شبكة أنفاق معقدة تحت قطاع غزة، للاختباء والتنقل، وإخفاء المحتجزين، فيما ألمحت إسرائيل إلى "تكتيك جديد" لهزيمة حيل الحركة الفلسطينية، وهو "إغراق الأنفاق" بمياه البحر، بينما يرى خبراء ومحللّون أن هذا "التكتيك" ينذر بأخطار كارثية على القطاع، إن لم يكن مجرد "حرب نفسية".
تحدٍ كبير
وتواجه إسرائيل تحدياً كبيراً في محاولة تدمير هذه الأنفاق، التي تطلق عليها "مترو حماس"، والتي تزيد من تعقيد القتال في مناطق مأهولة بالسكان.
وقال رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، إن "إغراق الأنفاق بالمياه فكرة جيدة"، موضحاً أن "جزء من الهدف هو تدمير هذه البنية التحتية".
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، أن إسرائيل انتهت في منتصف نوفمبر الماضي، من تجميع مضخات لمياه البحر على مسافة ميل تقريباً (نحو 1.6 كلم) شمال مخيم "الشاطئ" للاجئين، مشيرة إلى أنه "يمكن لكل مضخة من بين 5 جمعتها تل أبيب على الأقل سحب المياه ونقل آلاف الأمتار المكعبة كل ساعة إلى الأنفاق الممتدة لنحو 300 ميل (نحو 483 كلم)، ومن ثم إغراقها خلال أسابيع".
ووفق تقرير الصحيفة الأميركية، فقد تباينت ردود الأفعال الأميركية حيال هذه الخطة، إذ أعرب بعض المسؤولين الأميركيين في جلسات خاصة عن قلقهم بشأنها، فيما قال آخرون إن الولايات المتحدة تدعم تعطيل الأنفاق وإنه ليس هناك بالضرورة أي معارضة أميركية للخطة، بالتزامن مع الانتقادات والاستنكارات الفلسطينية، إلى جانب تحذيرات من جانب خبراء ومحللين في مجال البيئة.
انهيار البنية التحتية
وتواجه خطة "الإغراق" انتقادات واستنكارات من الجانب الفلسطيني، الذي يرى فيها انتهاكاً للقانون الدولي والحقوق الإنسانية. كما تثير أيضاً مخاوف بشأن الآثار المُحتملة على الوضع الإنساني والبيئي في غزة، الذي يعاني بالفعل من أزمة إنسانية وبيئية خانقة.
وحذّر وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني محمد زيارة، الثلاثاء الماضي، من المخاطر المترتبة على مخطط الجيش الإسرائيلي بغمر الأنفاق، عبر ضخ مياه البحر فيها، مؤكداً أن إسرائيل تضيف بهذا المخطط "أداة قتل جديدة" في حربها على القطاع.
وأوضح زيارة، في بيان، أن الطبيعة الرملية لتربة القطاع تجعلها عرضة لمخاطر عدة حال ضخ مياه البحر في الأنفاق، إذ ستؤدي إلى انهيار البنية التحتية في المناطق المستهدفة، وخاصة انهيار المباني السكنية نتيجة لانهيار الأنفاق والتربة المحيطة بها.
وأكد الوزير الفلسطيني، أن "هذا المخطط سيسفر عن تدهور خطير في الأوضاع الإنسانية، حيث يتوقع زيادة الخسائر في الأرواح نتيجة انهيار المباني السكنية في المناطق المأهولة".
كما حذّر زيارة من مخاطر تتعلق بتلوث المياه الجوفية نتيجة لاختلاطها بمياه البحر والمياه العادمة، بسبب انهيار خطوط الصرف الصحي المتوقع، مما يزيد مخاطر تلوث المياه وتأثيرها على الصحة العامة، وتفاقم الأزمة الإنسانية المتزايدة في القطاع.
الضخ الجائر
خبير المياه والبيئة الفلسطيني سائد الخياط، ذكر لـ"الشرق"، أن الآبار الجوفية والحوض الجوفي الساحلي، تعاني من تسرب المياه المالحة، لأن آبار غزة تعتبر ضحلة، وكثرة الضخ منها تخلق نوعاً من التفاوت في الضغط المائي ما بين المياه العذبة والمياه المالحة، وهو العامل الرئيسي في مشكلة "التسريب".
وأشار الخياط إلى أن "غزة تعاني منذ سنوات من الضخ الجائر، حتى تكفي الاحتياجات السكانية، ما أدى إلى تسرب المياه المالحة من البحر، ورفع نسبة الأملاح التي يشعر بها كل من يشرب من المياه الجوفية في غزة".
انعدام الأمن الغذائي
وأضاف خبير المياه والبيئة الفلسطيني، في تصريحات لـ"الشرق"، أن عملية تشبع التربة بمياه البحر ستسمح للمياه المالحة بالتسرب أفقياً، والذي سيسبب بترسب الأملاح في التربة بشكل يجعلها متآكلة ومتهالكة وغير صالحة للزراعة.
ولفت الخياط، إلى أن "القطاع سيعاني لسنوات من انعدام الأمن الغذائي والمالي بشكل يؤثر سلباً على الاقتصاد داخله، فلا يمكن التصدير منه أي منتجات زراعية (إلى إسرائيل)، ولكن على العكس سيتحول القطاع إلى مستورد، إضافة إلى ضرورة ضخ كميات مياه عذبة أو دفع ملايين الدولارات من أجل إعادة معالجة المياه الموجودة في الآبار أو إيجاد حلول أخرى بتحلية مياه البحر من أجل توفير مياه الشرب للمواطنين أو للزراعة".
وبيّن خبير المياه والبيئة أن زيادة الأملاح التربة ستؤدي إلى تفككها، لأنها رملية، وتصلح لأنواع معينة من الزراعات، ولكن في حال الإغراق لن يتمكن المزارعون في القطاع حتى زراعة أنواع المحاصيل التي من الممكن أن تتحمل الأملاح، مثل الفلفل وبعض أنواع البندورة (الطماطم) وغيرها، وسيجعلها غير صالحة لاستخدامها أيضاً.
حلول على المدى البعيد
وأوضح الخياط، أن "هناك حلولاً على المدى البعيد باستخدام عمليات الإنقاذ للمياه الجوفية من خلال عملية الغسل، ولكنها ستكون مُكلفة، وعلى الأغلب ستتم هذه العملية باستخدام مياه معالجة من الدرجة الثانية أو الثالثة فما فوق، من أجل التخلص من بعض عناصر الأملاح في التربة، ومن ثم يتم تغير تركيبة التبادل الأيوني والكاتيوني لحبيبات التربة بحيث يتم استرجاع بعض العناصر والصفات التي من الممكن أن تدعم العمليات الزراعية".
وأشار الخبير البيئي أيضاً إلى أنه يمكن إنشاء محطات تحلية للمياه العادمة، ولكن كلفتها ستكون عالية جداً، لافتاً إلى أن "هناك مشروعات عدة تقوم بها سلطة المياه الفلسطينية، وهي حالياً قيد التنفيذ".
وتابع الخياط: "هذه العملية ستعمق مشكلة الأملاح المياه ومشكلة الحصول على مياه عذبة من عملية التناضح العكسي التي من الممكن أن تتم بفلترة هذه المياه المالحة وتحويلها إلى مياه عذبة، والتي ستحتاج إلى طاقة عالية، وهذه الطاقة من الممكن أن تكلف المناطق الفلسطينية مبالغ مالية طائلة".
وذكر أن "السيناريوهات ما زالت غير واضحة، ومن الممكن استخدام بعض كميات الغاز الموجودة ضمن المياه الإقليمية لمنطقة غزة لعمليات التحلية".