لم يعد أمام المزارعين في العراق سوى النزوح من أراضيهم نحو المدن للعمل في مهن أخرى غير الزراعة، فالمياه باتت شحيحة إلى أقصى درجة وتحولت مساحات خضراء كانت تسر الناظرين إلى صحارى جرداء بسبب الجفاف وندرة المياه.
ويعاني العراق منذ القرن الماضي تزايد مستوى الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، فضلاً عن تراجع المسطحات المائية وتناقص الأمطار وشح المياه بشكل عام، وكذلك سوء إدارة الحكومات المتعاقبة لأزمة المياه وعدم اتخاذ أية إجراءات تتصدى لإنشاء دول المنبع، مثل تركيا وإيران، سدوداً أثرت بشكل واضح في الخزن المائي ومن ثم في الخطة الزراعية التي تعتمد جذرياً على الوفرة المائية.
وأكد عضو مجلس محافظة ذي قار أحمد الرميض أنَّ النزوح مستمر يوميا، ولا سيما في مناطق الأهوار. وقال الرميض إن "مناطق الأهوار والمناطق الزراعية هي التي تشهد موجة النزوح على الأغلب"، وأضاف أن "المواطنين يهاجرون نحو محافظات البصرة وكربلاء والنجف، فيما تتوجه نسبة قليلة إلى مدينة الناصرية"، وبين أن "المهاجرين يتوجهون إلى المناطق الزراعية التي تعتمد على الآبار".
وتابع الرميض أن "هذه الهجرة تؤثر سلبا في التركيبة الديموغرافية للمحافظة، إذ إن بعض القرى تلاشت ولم يبق فيها إلا عدة بيوت فقط". ومع تأثر العراق بالجفاف، إذ صنفته الأمم المتحدة ضمن المركز الخامس عالميا من الأكثر تأثرا بالتغيير المناخي، وضعت الحكومة خططا عدة لتوفير المياه وترشيد استهلاكها.
من جهته، أكد مدير عام بيئة ذي قار، موفق حامد خضير، أن الهجرة التي تشهدها محافظة ذي قار موسمية، محذرا من التأثير السلبي لهذه الهجرة.
وقال خضير إن "ذي قار سجلت أعلى درجة حرارة عالمية تجاوزت درجة الغليان"، وأضاف أن "الموارد المائية شحيحة وهو ما يؤدي إلى نزوح بسبب الجفاف"، مؤكدا أن "هؤلاء النازحين سيعودون في موسم الشتاء، وقد يستقر بعضهم موطنهم الجديد".
وتابع خضير أن "هؤلاء المواطنين يعيشون على الصيد والزراعة، ولا بد من توفير المياه لهم، أو أي مصدر رزق آخر"، وبين أنه "بالتعاون مع منظمة الفاو، نفذنا في 2017 مشروع (تحسين سبل العيش) في مناطق الطار والشطرة والرفاعي والغراف، حيث تم منحهم حيازات لزراعة نباتات مفيدة اقتصاديا ومقاومة للحرارة".
وأكد خضير أن "جفاف الأهوار يؤثر سلبا في توازن النظام الطبيعي، وستؤثر الهجرة في المناطق الجديدة، إذ سيعيش المهاجرون في المناطق العشوائية والهامشية مما يؤدي إلى ازدياد الجريمة والجهل". وختم خضير بالقول إن "مربي الجاموس هم الأكثر تضررا، وقد اضطروا في إحدى السنوات إلى النزوح إلى مركز الناصرية".
في المقابل قال المتخصص في الشؤون البيئية حسن شكري إن ظاهرة الجفاف لا يمكن تحديد بداياتها، إذ إن العراق يقع في المنطقة الواقعة في ظل مناخ شبه مداري يتصف بارتفاع درجات الحرارة والجفاف.
وأضاف، "هناك علامات على اتساع رقعة الجفاف في العراق إذا ما قارناها بالعقود الماضية، إذ تقلصت المساحات الخضراء والمسطحات المائية مع زيادة في ارتفاع درجات الحرارة وتناقص الأمطار وشح المياه بشكل عام".
وتابع شكري، "نتيجة الظروف التي مر بها العراق بداية الألفية الثالثة وما شهده من صراعات مسلحة، فضلاً عن الإهمال الحكومي في تنفيذ برامج إدارة المياه والبرامج البيئية وغيرها، فقد أدى ذلك إلى تفاقم ظاهرة الجفاف وظهور التصحر في العراق".