أزمة مالية تطل "برأسها" في العراق.. سوء الإدارة يضرب استقرار الرواتب!

12:29, 18/02/2025
208

ما بين سوء إدارة السياسات المالية والنقدية وتأثير الأطراف السياسية في القرارات، يعد سوء إدارة الإيرادات النفطية إلى جانب تذبذب أسعارها عاملين رئيسين يؤثران في انتظام توزيع الرواتب في العراق، ليبقى المواطن في حاجة إلى وضوح ومصارحة من الجهات الرسمية تجاه الوضع الحقيقي للاقتصاد وآليات الحلول المقترحة. 

 

ولا يمكن اختزال تأخير الرواتب في العراق باعتبارها أزمة اقتصادية فحسب، بل يحمل في طياته أبعاداً سياسية معقدة تهدد استقرار الحكومة وتضع النظام السياسي أمام اختبار صعب.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

لا أزمة في الرواتب والحديث مفتعل!

 

وفي هذا الصدد، أكد المحلل السياسي إبراهيم السراج، أن الحديث عن وجود أزمة في توزيع رواتب الموظفين في 2025 هو أمر مفتعل ولا يعكس الواقع المالي للعراق، مبيناً أن وزارة المالية واللجنة المالية في البرلمان صرحتا بوضوح أن رواتب العام الحالي مؤمنة بالكامل، وأن الوضع المالي مستقر.

 

وأوضح السراج، أن بوادر أزمة مالية غير موجودة حالياً، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار النفط الذي يمثل المورد الأساس لدخل العراق، وأنه مع استمرار الإيرادات النفطية بمستويات جيدة، فإن الحديث عن عجز أو أزمة في دفع الرواتب لا يستند إلى حقائق، بل يبدو أنه محاولة لإشغال الرأي العام.

 

المالية تصدم الجميع!

 

ورغم الحديث المتكرر من النواب والمسؤولين والسياسيين في البلاد عن عدم وجود أزمة مالية في البلاد، خرجت وزارة المالية بوثيقة خاطبت بها مكتب رئيس مجلس الوزراء لتؤكد فيه وجود عجز كبير في رواتب الموظفين والمتقاعدين وشبكة الحماية الاجتماعية.

 

المالية النيابية ترد: لا أزمة في الرواتب!

 

بدوره، أكد عضو اللجنة المالية النيابية حسين مؤنس في حديث خاص لـ"سنترال"، أن هناك عجزًا كبيرًا في الموازنة العراقية نتيجة حجم الإنفاق المرتفع مقارنة بالإيرادات المحدودة، خاصة في ما يتعلق بالإيرادات غير النفطية. وأوضح مؤنس أن الحكومة كانت تهدف إلى زيادة الإيرادات غير النفطية، إلا أن هذه الزيادة لم تحقق الطموحات المرجوة حتى الآن.

 

وأشار مؤنس إلى أن الوثيقة التي تم نشرها بخصوص قلة المبالغ المالية كانت متوقعة، مؤكدًا أن الرواتب مؤمنة حاليًا ولا توجد مشكلة كبيرة بشأنها، موضحاً أن وزارة المالية تلقت إنذارًا بين 20 و30 من كل شهر لتأمين الرواتب، إلا أن الحكومة لا تزال تمتلك العديد من الخيارات، مثل بيع السندات، لتوفير الأموال اللازمة.

 

وتابع مؤنس قائلاً: "الموازنة تمنح الحكومة صلاحيات واسعة، بما في ذلك المناقلة بين البنود، ما يمنحها مرونة في التعامل مع الأزمات المالية." 

 

وأضاف أنه رغم التحديات الحالية، بما في ذلك تراجع أسعار النفط والمشاكل المحتملة في المنطقة، إلا أن الحكومة لا تزال قادرة على تأمين الرواتب من خلال الضغط على النفقات.

 

وشدد مؤنس على ضرورة أن تتحمل الحكومة مسؤوليتها في تأمين الرواتب والاستحقاقات التشغيلية والاستثمارية، مع ضرورة اتخاذ إجراءات لخفض النفقات بشكل كبير لمواجهة التحديات المالية المستقبلية.

 

بدوره، أشار النائب عضو اللجنة المالية مصطفى الكرعاوي إلى أن حلول وزارة المالية بسيطة، تعتمد على الإيراد المتحقق من بيع النفط ولا تملك خطة استراتيجية واضحة لزيادة الإيرادات غير النفطية، ما عدا بعض المحاولات في تعظيم إيرادات الضرائب والجمارك لكن من دون المستوى المطلوب، ولم ترتق الإيرادات النفطية إلى مستوى الطموح، وأعتقد أنه لا توجد حلول حقيقية لوزارة المالية.

 

وعن مدى اعتقاده في أن الأزمة عابرة أو تحتاج إلى إصلاحات هيكلية بعيدة المدى، أجاب الكرعاوي "هي ليست موقتة لكنها متلازمة مع الوضع الخارجي لارتباط بيع النفط بالأسواق الخارجية، وهذا الارتباط يؤثر بصورة مباشرة في الموازنة العامة، ومن ثم يتأثر الاقتصاد العراقي بالأزمات الخارجية بصورة مباشرة، لذا يجب إعداد خطة لمعالجة الوضع الاقتصادي الداخلي وإيجاد حلول بديلة للإيرادات غير النفطية".

 

أما عن الخطوات التي تتخذها الحكومة لتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس، فأجاب الكرعاوي "الخطوات خجولة ولا تلبي الطموح وهذا مؤشر سلبي على الأداء الحكومي من الناحية الاقتصادية، وأشرنا إلى ذلك منذ العام الماضي وما زلنا مستمرين في المتابعة، ونتمنى من القوى السياسية العمل على إعداد خريطة طريق وخطة سنوية لزيادة الإيرادات غير النفطية وتقليل الإنفاق التشغيلي وبناء اقتصاد داخلي أقوى."

 

 تراجع أسعار النفط والتضخم العالمي

 

تحدث المتخصص في شؤون النفط، جميل راضي كمونه قائلاً "الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي يعتمد في موارده بصورة أساس على سلعة واحدة هي النفط، والتدهور والتراجع في أسعاره ينعكس سلباً على الاقتصاد العراقي نتيجة قلة السيولة من العملة الصعبة التي يجري الحصول عليها من تصدير وبيع النفط، وأي تخلخل سلبي في هذه الموارد بسبب قلة إيرادات العملة الصعبة يقابله تقليص استيراد كثير من المفردات التي تهم القطاع العام، مما يسبب تراجعاً في خطط التطوير والتنمية في البلد، أما القطاع الخاص وفي ظل قلة العملة الصعبة، وحاجته إليها للاستيراد فإنه يلجأ للسوق الموازية لشرائها وبصورة مرتفعة، مما يؤثر في الأسعار في السوق المحلية".

 

أما التضخم العالمي بأسعار المواد والسلع المستوردة فإنه يضاعف من الانعكاسات السلبية على الاقتصاد العراقي ومنها القطاع النفطي، فزيادة أسعار المعدات والمواد التي تدخل في صلب الصناعة الاستخراجية ومنها مواد الحفر والتنقيب تعزز من سعر البرميل النفطي المستخرج أمام تدهور سعره العالمي، وبهذا يخلق حالاً من التأثير السلبي المزدوج في موازنة الدولة واقتصادها.

 

سوء إدارة السياسة المالية

 

في المقابل أكد رئيس تحالف الاقتصاد العراقي، عدي العلوي، أن السبب الرئيس لأزمة الرواتب في العراق يكمن في سوء إدارة السياسة المالية والنقدية، موضحاً أن السيولة ليست مشكلة، إذ تتدفق بوتيرة بيع النفط، مشيراً إلى أن البنك المركزي يبيع يومياً نحو 290 مليون دولار، في حين أن الاحتياج الفعلي بحسب الموازنة يبلغ 250 مليون دولار فقط. 

 

ووصف العلوي تصريحات وزارة المالية بأنها "صحيحة على الورق"، لكنها غير واقعية من الناحية الفنية، مشيراً إلى أن الوزارة تفتقر إلى رؤية وخطة واضحة، مبيناً أن قراراتها تخضع لتأثيرات سياسية تفتقر إلى المهنية والجوانب الفنية المطلوبة لإدارة الأوضاع الاقتصادية.

 

ومن جانبه أشار المتخصص الاقتصادي أحمد عبدربه إلى وجود شح في السيولة النقدية، مما يشكل السبب الرئيس لتأخير الرواتب، وأن تجاوز سعر برميل النفط 80 دولاراً لا يعني استقراراً في المالية العامة، مشككاً في قدرة وزارة المالية على مواجهة الأزمة بصورة فعالة. ودعا عبد ربه الحكومة إلى مصارحة المواطنين بحقيقة أزمة السيولة وطرح حلول واضحة لمعالجتها.

 

بين سوء التوزيع المالي وتذبذب أسعار النفط

 

وأوضح المحلل المالي محمود داغر أن قضية الرواتب في العراق ليست أزمة بحد ذاتها، بل هي نتيجة لحال متكررة تتعلق بسوء إدارة وتوزيع المبالغ المخصصة للرواتب، بدءاً من المنبع المتمثل بإيرادات النفط حتى المصب النهائي في المصارف عبر وزارة المالية.

 

وأشار داغر إلى أن حجم القطاع الوظيفي في العراق، الذي يشمل نحو 9 ملايين موظف، يشكل تحدياً كبيراً لإدارة هذه العملية. ولفت إلى أن تحويل إيرادات النفط إلى الدينار العراقي ثم توزيعها عبر القنوات المصرفية يتطلب نظاماً مالياً محكماً، لكن تعقيد هذه المنظومة غالباً ما يؤدي إلى تأخير أو تعثر في العمليات.

 

وأضاف داغر أن أسعار النفط تمثل التحدي الأكبر للاقتصاد العراقي، مشيراً إلى أن الموازنات تبنى بصورة أساس على تقديرات سعر النفط، ففي موازنة 2024 - 2025، احتسب سعر البرميل عند 80 دولاراً، بزيادة 10 دولارات على السعر الأصلي الذي يبلغ 70 دولاراً، لتغطية العجز المتوقع، ومع تراجع أسعار النفط عن هذه التقديرات، يصبح العراق أمام ضرورة اتخاذ قرارات صعبة لتأمين الرواتب وتغطية العجز المالي.

 

وأكد داغر أن انخفاض أسعار النفط قد يفرض على العراق اللجوء إلى إجراءات تقشفية أو البحث عن مصادر تمويل بديلة، مثل تعزيز الإيرادات غير النفطية وإعادة هيكلة الموازنة، مشدداً على أهمية تحسين إدارة الإيرادات النفطية وضمان توزيعها بكفاءة، بما يحد من التأثير السلبي في الموظفين والاقتصاد.