في زمن "المحاصصة".. أقليات العراق تبحث عن قانون يحميها من "الانتهاكات"

11:16, 14/09/2024
736

يتصدر الحديث في العراق على نحو متواصل منذ أسابيع، عن وجود ضرورة لتشريع قانون يحفظ الحريات الخاصة والمعتقدات للمكونات الدينية الأقلية، والذي تأمل بعض أقليات العراق والأطراف السياسية من المسيحيين والصابئة والشبك والأيزيديين تقديمه للبرلمان وإقراره.

 

هذا الحديث السياسي المتصاعد جاء عقب تشريع العراق خلال العامين الماضيين حزمة من القوانين التي لم تأخذ بالاعتبار التنوّع الديني والمذهبي والثقافي في البلاد، كان من أبرزها حظر بيع وصناعة واستيراد الخمور، وسنّ قانون العطل الدينية، وأخيراً السعي إلى تشريع قانون الأحوال الشخصية الذي يحمل في طياته الكثير من المشكلات بالنسبة إلى أقليات العراق المتعلقة بفرض اللون الديني على القانون.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

الشعور بالإبعاد

 

هذه الشرائح من المجتمع العراقي باتت تتعامل مع الأمر الواقع، وتسعى إلى إيجاد قانون يحمي أقليات العراق وخصوصيتها الدينية، خصوصاً مع شعورها بأنها مبعدة عن التأثير في القرارات السياسية والفعاليات الاجتماعية وعرضة للانتهاكات من العصابات المسلحة، في ظل التحديات الأمنية والسياسية التوسعية من قِبل أطراف سياسية تسعى إلى تحويل العراق نحو لون واحد، كما يقول نشطاء عن الأقليات.

 

وفي السادس من شهر سبتمبر/أيلول الحالي، كشف عضو البرلمان العراقي عن أقلية الصابئة المندائية، أسامة البدري، عن مشروع لـ"قانون الأقليات" لمناقشته داخل البرلمان، من دون أن يكشف عن محتوى هذا القانون أو تفاصيله، مشيراً إلى أن البلاد تضم تنوعاً دينياً ومذهبياً واسعاً، وأقليات العراق تنتظر مثل هذا القانون الذي يضمن دعم وحماية حقوقها ضمن المجتمع العراقي.

 

وقال البدري، في تصريحات للصحافيين في بغداد، إن "قانون أقليات العراق يهدف إلى تعزيز حقوق الأقليات وضمان حمايتها"، مؤكداً أن "هذا القانون سوف يشمل بنوداً متعددة تتعلق بحماية حقوق الأفراد والمجتمعات المحلية، مع إجراء مناقشات موسعة حوله من قبل أعضاء في البرلمان". كما يضمن القانون، وفق شرحه، "حصول أبناء الأقليات على الوظائف في المؤسسات الحكومية كالجيش والشرطة والأمن والوزارات السيادية المختلفة".

 

وأوضح البدري أن "الأيام القليلة المقبلة ستشهد اجتماع ممثلي المكونات مع لجنة حقوق الإنسان في البرلمان، من أجل مناقشة مسودة قانون حماية الأقليات، وهي تُعتبر القراءة الأولى، ومن ثم يتم عرض مشروع القانون للقراءة الثانية"، مبينا أن "ممثلي كل المكونات العراقية الذين يندرجون ضمن ما يعرف بالأقليات يعتبرون هذا القانون مهماً بالنسبة إليهم، لأنه يسهم في دعم المكونات وحمايتها".

 

وأضاف البدري، أن "أقليات العراق تشكّل نحو 10% من سكّان البلاد، والدستور العراقي يضمن حمايتهم من خلال مبدأ العدالة لجميع العراقيين"، مؤكداً أن "القانون سيمضي في اتجاه التشريح، ولا أعتقد أنه سيشهد عراقيل لأنه لا يتضمن أي جوانب مالية".

 

ويُقدّر عدد العراقيين وفق التقديرات الرسمية، بحوالي 44 مليون نسمة، وكانت نسبة الأقليات الدينية تُقدّر بنحو 10% من سكان العراق، غير أنه بعد الغزو الأميركي للعراق، انخفضت إلى نحو 5% بعد هجرات أخذت طابعاً جماعياً إلى خارج العراق نتيجة العنف والإرهاب والإخفاق الحكومي في حمايتهم خلال العقدين الماضيين.

                                                                    

هجرة وخوف

 

عضو البرلمان العراقي عن مكون الشبك، وعد القدو، قال إن "المحاصصة أدّت إلى مزيدٍ من إضعاف الأقليات، بالتالي فإن وجود قوانين تحمي حقوق أقليات العراق وتمنع عنهم الانتهاكات، هو أمر في غاية الأهمية". 

 

وأضاف القدو الذي يتصدر مع آخرين المطالبة بحقوق طائفة الشبك التي تتركز في نينوى شمالي العراق، أن "أقليات العراق تشعر بالتهميش والاضطهاد، مع غياب التمثيل الحقيقي لها على كل المستويات، لا سيما السياسية، مع العلم أن الدستور العراقي أكد أن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات والتمثيل وغيره".

 

ولفت القدو إلى أن "الفترات الماضية شهدت تجاوزاً على الأقليات، من خلال محاولات الاستيلاء على أراضيها"، مبيناً أن "أقليات العراق عادة ما تدفع أثمان المشاكل الأمنية والإخفاقات السياسية، وقد تعرّضت لنكبات كثيرة، وتهجير لأكثر من مرة، فضلاً عن هدم منازلها وسرقتها وسبي النساء، لذلك فإنها جميعها تريد أن تحافظ على وجودها من خلال تشريعات حقيقية، ومعمول بها، وألا تكون حبراً على ورق".

 

غير أن قوى داخل الأقليات العراقية، يؤخذ عليها من قِبل مجتمعاتها، أنها اختارت خلال السنوات الماضية التحالف مع الأحزاب الكبيرة والفصائل المسلحة، وهذا الحال لا ينطبق على أقلية بعينها، بل يشمل أغلبية المكونات، في حين أن المواطنين من الأقليات يشعرون بالتهميش، خصوصاً أن شرائح واسعة منهم اختارت المنافي أو اللجوء في إقليم كردستان، ومنهم من بقي في مخيمات النزوح، على الرغم من مرور نحو سبعة أعوام على تحرير مناطقهم من سيطرة تنظيم داعش.     

 

من جهته، قال الناشط السياسي من محافظة نينوى سنان الشماس، إن "مسيحيي العراق، ومكونات أخرى من أقليات العراق المتعددة، يشعرون بأنهم أقلية ضعيفة، مع وجود استغلال سياسي لمعاناتهم، وفي الحقيقة هذه المكونات تزداد أقلية من جرّاء مصادرة وجودها الاجتماعي ومواقفها وتوجهها السياسي"، مبيناً أن "الأقليات تدعم القوانين التي تحمي حقوقها، لكن في الوقت نفسه، هناك خشية من آلية تطبيق القوانين". 

 

وأضاف الشماس أن "القانون الذي تحدث عنه بعض أعضاء مجلس النواب، كنا قد سمعنا عنه في أكثر من مناسبة، لكننا بصراحة لم نطلع عليه كاملاً، لكن ما وصل إلينا عنه أنه يهدف إلى حماية ممتلكاتنا وضمان حصولنا على الوظائف وعدم التجاوز على معتقداتنا، وأمور أخرى".

 

ولفت إلى أن "الأحزاب الكبيرة الموجودة حالياً، وما تملك من أجنحة مسلحة، لا تمنح المساحات الكافية لنا للتعبير عن مواقفنا، كما أن كثيراً منا اختار الهجرة، في حين أن مشكلات مثل النزوح وصناعة بدائل سياسية عن الأقليات، ذلك وأكثر يشعرنا بأن إرادة عراقية وربما غير عراقية تريد تحويل البلاد إلى لون واحد".

 

وفي فبراير/شباط الماضي، أثار قرار المحكمة الاتحادية العراقية بإلغاء حصة الأقليات الدينية والعرقية في برلمان إقليم كردستان العراق، الكثير من الجدل، إذ اعتبره سياسيون وحقوقيون "إقصاء وتهميشاً" لدور تلك المجتمعات الصغيرة في الحياة العامة، وانتقاصاً لحقوقها، من خلال تقسيم إقليم كردستان إلى أربع دوائر انتخابية، وتقليص عدد مقاعد برلمانه من 111 مقعداً إلى 100 مقعد، بعد أن قضت بعدم دستورية عدد مقاعد "الكوتا" (حصة الأقليات).