بنود "ملغّمة".. تعديل قانون الأحوال الشخصية يطلق "رصاصة الرحمة" على المجتمع

13:10, 24/07/2024
520

ضجة كبيرة تعيشها الأوساط الشعبية في العراق، بعد الكشف عن مسودة جديدة لتعديل قانون الأحوال الشخصية، والتي تضمنت بنوداً وُصفت بـ "الملغّمة"، والتي تمهد لسلطة أوسع لرجال الدين على حساب المحاكم المختصة في البت بالأحوال المدنية.

 

ويأتي التعديل الجديد المدفوع من قوى سياسية، بصبغة قانونية، ليمنح جهات دينية، سلطة في مسائل الأحوال الشخصية، حيث يمنح رجال الدين من الوقفين الشيعي والسني، إمكانية إبرام عقود الزواج خارج المحكمة، وهو ما تساءل قانونيون بشأنه فيما إذا كان سيوجد زواجات لم تتوفر فيها الشروط القانونية، كالعمر وغيره.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

ما هو التعديل الجديد؟

 

وينص التعديل على أنه "يحق للعراقي والعراقية عند إبرام عقد الزواج أن يختار المذهب الشيعي أو السني الذي تطبق عليه أحكامه في جميع مسائل الأحوال الشخصية، ويجوز لمن لم يسبق له اختيار تطبيق أحكام مذهب معين عند إبرام عقد الزواج، تقديم طلب إلى محكمة الأحوال الشخصية المختصة لتطبيق أحكام الشرع على الأحوال الشخصية، وفق المذهب الذي يختاره ويجب على المحكمة الاستجابة لطلبهم".

 

كما نص التعديل على أنه "تعتمد مدونة الأحكام الشرعية في تنظيم أحكام مسائل الأحوال الشخصية للفقه الشيعي الجعفري، ومدونة أخرى تنظم أحكام مسائل الأحوال الشخصية طبقاً للفقه السني، حيث تعد في وضعها على آراء المشهور عند فقهاء كل مذهب في العراق".

 

ويشير هذا التعديل إلى اعتماد مدونة فقهية يكتبها رجال الدين، تعتمد بدلاً أو رديفا لقانون الأحوال الشخصية، وهو ما يحمل في طياته مخاطر كبيرة – بسحب قانونيين – باعتبار ذلك يجرد القانون الحالي من روحه، ويُصار إلى اعتماد مدونات فقهية بعيداً عن الخبراء المختصين.

 

كارثة حقيقية!

 

وبحسب الباحث في الشأن القانوني عمار الشمري، فإن "التعديل المنشور يمثل صدمة كبيرة وكارثة حقيقية على المجتمع العراقي، وبالفعل سيطلق رصاصة الرحمة على المجتمع، باعتباره سيكون رديفا أو يُلغي القانون الحالي ويؤسس لمحاكم أخرى خارج سلطة القضاء، وهو ما يجب أن يتنبه له البرلمان، الذي انشغل خلال الفترة الأخيرة بقوانين مثيرة للجدل على حساب تشريعات أخرى ضرورية".

 

وأضاف الشمري، أن "العراق دولة مدنية، وإن كان دستورها ينص على عدم تشريع أي قانون يتعارض مع أحكام الشريعة الاسلامية، لكن في المجمل فإن القوانين الحالية هي تستأنس بروح الإسلام السمحة، وكذلك تأخذ من القيم المدنية، وهذا متعارف عليه منذ عقود، لكن أن يتم الغاء أو تهديد القوانين الحالية بمدونات فقهية، أو خاضعة لرجال دين، فإن ذلك سيكون صعباً، وسنكون أمام مشهد جديد، وربما فوضى اجتماعية وقانونية".

 

ولسنوات طويلة تشهد البلاد ارتفاعا كبيرا في معدلات الطلاق، بلغت شهريا أكثر من 6 آلاف حالة طلاق، ويعزو مراقبون ومختصون ذلك لأسباب عدة أبرزها الزواج المبكر والوضع الاقتصادي وسوء استعمال مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي وتدخلات ذوي الزوج أو الزوجة بحياة الزوجين، كما أن بعض القوانين شجعت على الانفصال، في ظل غياب الإجراءات المتعلقة بالمصالحة بين الزوجين، داخل المحاكم، أو من قبل الباحثين الاجتماعيين.

 

تحرك سابق

 

وليست هذه المرة الأولى التي تسعى فيها قوي سياسية عراقية، إلى إجراء تعديل على قانون الأحوال الشخصية، حيث تحرك سابقاً بعض الأحزاب بشأن ملف الحضانة، وهو ما زال سارياً لغاية الآن، ومن المتوقع أن تمضي التعديلات بحزمة واحدة مع التعديلات الجديدة في حال حصل اتفاق بشأنها. 

 

وتتعلق التعديلات السابقة بسلب الأم حق حضانة الولد إذا تزوجت، وللولد المحضون حق الاختيار عند بلوغ الخامسة عشرة من العمر، في الإقامة مع مَن يشاء من أبويه إذا أنست المحكمة منه الرشد في هذا الاختيار، بينما التعديل الجديد على القانون هو تخييره بعمر سبع سنوات فقط.

 

وينص قانون الأحوال الشخصية الحالي، على أن التفريق في حال حصل بين الأزواج يكون وفقاً للقانون المدني، دون المرور بأية مدوّنة دينية، أو فقهية، لكن التعديلات الجديدة المقترحة، تذهب باتجاه أن تجعل للوقفين الشيعي والسني، وحسب اختيار الزوجين، رأي في ذلك، فيما يتعلق بالحقوق.

 

وبسبب الرفض لمشروع تعديل القانون تم تأجيل القراءة والتصويت عليه منذ عام 2019، وشهدت بغداد تظاهرات متكررة لنساء ورجال رافضين له، لتأتي التعديلات الجديدة المطروحة، وتضيف عبئاً آخر.

 

قانون مثير للجدل

 

وقالت الباحثة الاجتماعية منى العامري، إن "التعديلات الجديدة، امتداد لما طُرح سابقاً وهي محاولة أخرى من بعض القوى لتمرير القانون المثير للجدل"، مشيرة إلى أن "هذا الإصرار على تعديل القانون غير مفهوم، ويخلق طابعاً سلبياً ويعطي مؤشراً على أن الاهتمام السطحي من قبل بعض النواب".

 

وأضافت العامري: "لا أتوقع تمرير هذه التعديلات لأنها لا تصب في صالح المجتمع العراقي بل وسيلة لتفك المجتمع وخلق جهات رديفة للمؤسسات الشرعية، وهذا لا يمكن أن يقبل به عقل أو منطق".