بين سلوك المواطن وعجز الدولة.. تفاصيل صادمة عن أزمة المياه في العراق
الحمى النزفية تواصل الانتشار في العراق.. 184 إصابة و24 وفاة وسط تحذيرات من انفجار صحي محتمل
أرقام مخيفة للرواتب وعجز "كارثي".. هل تصمد الموازنة حتى نهاية 2025؟
قرار أمريكي من مجلس الشيوخ يخص الضرائب والإنفاق بفارق صوت واحد رغم الانقسام الجمهوري
البرلمان في عين العاصفة.. دعوات لاستئناف الجلسات وسط أزمات متصاعدة
رغم ما يملكه العراق من تاريخ عريق مرتبط بالنهرين العظيمين، دجلة والفرات، يواجه البلد اليوم أزمة مائية تُعد من أخطر التحديات البيئية والاقتصادية والإنسانية في تاريخه الحديث، الأزمة لم تعد محصورة بشح المياه فقط، بل تفاقمت نتيجة سلوك استهلاكي مفرط، وغياب الوعي المجتمعي، وسكوت الجهات المعنية عن اتخاذ إجراءات حاسمة للحد من الهدر المتواصل للمورد الحيوي الأهم.
بحسب تقارير بيئية محلية، فإن معدل استهلاك الفرد العراقي من المياه يبلغ نحو 400 لتر يوميًا، وهو ما يجعل العراق في صدارة الدول عالميًا من حيث استهلاك الفرد، متجاوزًا دولًا تتمتع بوفرة مائية كبيرة. هذا المعدل المرتفع لا يعكس رفاهًا بقدر ما يكشف عن خلل حاد في إدارة المياه، حيث يُستخدم جزء كبير منها في أنشطة غير ضرورية، مثل غسل الأرصفة والشوارع، والسقي العشوائي، والتبذير في محطات غسل السيارات والمولدات الأهلية، دون رقيب أو محاسبة.
في الوقت نفسه، تعاني البلاد من أزمة مائية متصاعدة، نتجت عن عوامل مناخية مثل قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، فضلًا عن السياسات المائية غير المنصفة التي تعتمدها دول الجوار، والتي قلّصت حصة العراق من مياه الأنهار العابرة للحدود، ما تسبب في انخفاض منسوب المياه في دجلة والفرات، وجفاف مساحات واسعة من الأهوار والأنهار والجداول.
الواقع المائي الصعب انعكس بشكل مباشر على السكان، لا سيما في مناطق الجنوب والوسط، حيث اضطرت آلاف العائلات إلى ترك أراضيها بسبب الجفاف وتدهور الزراعة، ما أطلق موجة من النزوح البيئي غير المسبوق داخل البلاد. ويتوقع مراقبون أن تتسع هذه الظاهرة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لاحتواء الوضع.
خبراء في شؤون المياه والبيئة يرون أن أحد أبرز أسباب تفاقم الأزمة داخليًا هو غياب منظومة فعالة لترشيد استهلاك المياه. فحتى الآن، لا توجد سياسات حكومية حازمة تضبط سلوك الاستخدام اليومي في المنازل والمؤسسات، ولا تتوفر أجهزة توفير المياه بشكل واسع، فيما ما زالت تسعيرة المياه متدنية لا تعكس قيمة هذا المورد الاستراتيجي.
من جهته، يحذر الخبير البيئي محمد الكبيسي من أن استمرار هذا الاستهلاك المرتفع دون تدخل سيؤدي إلى عجز مائي واسع، خصوصًا في المدن ذات الكثافة السكانية المرتفعة مثل بغداد والبصرة. ويؤكد أن الأزمة لا يمكن حلها فقط عبر زيادة الإمدادات، بل تتطلب تغييرًا جذريًا في نمط التعامل مع المياه، ورفع الوعي المجتمعي بخطورة الوضع، إلى جانب إصلاح شبكات المياه القديمة التي تتسبب في تسرب كميات هائلة من المياه يوميًا.
ويحذر ناشطون في الشأن البيئي من كارثة وشيكة، في حال بقيت الحكومة متأخرة عن إطلاق حملات توعية ومشاريع إصلاح بنيوية، خصوصًا مع ما تشير إليه تقارير وزارة الموارد المائية من تراجع في الخزين المائي بنسبة تفوق 50% مقارنة بالسنوات الماضية. ويشددون على ضرورة أن يتحول ملف المياه إلى أولوية وطنية ترتبط مباشرة بالأمن القومي، وليس مجرد ملف خدمي مؤجل.
مع استمرار التغيرات المناخية، واشتداد الصراع على الموارد الطبيعية في المنطقة، يبقى مستقبل العراق المائي معلقًا بين واقع الاستنزاف وسيناريوهات أكثر خطورة. فإما أن يُعاد رسم سياسات إدارة المياه بشكل جذري، أو يواجه البلد اختلالًا بيئيًا لا يمكن تداركه بسهولة.
ويُعزى هذا الهدر إلى ضعف البنية التحتية، وغياب سياسات الترشيد، وقلة الوعي المجتمعي بخطورة الوضع المائي. كما لا تزال أغلب مدن العراق تعتمد على أنظمة توزيع غير فعالة، ما يؤدي إلى تسرب كميات كبيرة من المياه. ويشكّل هذا السلوك الاستهلاكي غير المستدام تهديدًا مباشرًا للأمن المائي والغذائي في البلاد، ويتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا.
يُذكر أن تقارير بيئية دولية صنّفت العراق خلال السنوات الأخيرة ضمن أكثر الدول هشاشة في مواجهة تغيّر المناخ، فيما تشير بيانات وزارة الموارد المائية إلى أن الخزين المائي الحالي أقل بنسبة 50% مقارنة بالسنوات السابقة، ما يزيد من خطورة الموقف ويضع ملف المياه على رأس أولويات الأمن الوطني.
ودعا نشطاء بيئيون إلى تدارك الأزمة المائية قبل تفاقمها، مطالبين بخطط حكومية عاجلة للحد من الاستهلاك المفرط وتطوير شبكات المياه القديمة. وأكدوا أن استمرار الهدر اليومي للمياه، في ظل الجفاف والتغيرات المناخية، ينذر بكارثة بيئية وإنسانية وشيكة، خصوصًا في المناطق الحضرية المكتظة.