البرلمان أمام اختبار التاريخ.. قانون الحشد الشعبي بين شرعية الدم وصراع السياسة

اليوم, 11:47
1 014

يقف البرلمان العراقي أمام لحظة فارقة في مساره التشريعي والسياسي، إذ يتجه الأسبوع المقبل لتحديد جلسة من أجل التصويت على قانون الحشد الشعبي، المؤسسة التي حملت السلاح في أحلك ظروف العراق بعد سقوط ثلث أراضيه بيد تنظيم داعش عام 2014، استجابةً لفتوى المرجعية الدينية العليا.


الحشد، الذي ضم مقاتلين من مختلف الطوائف والمكونات، لم يكن مجرد تشكيل عسكري طارئ، بل تحول إلى عنوان وطني جامع أنقذ بغداد والنجف وكربلاء والموصل وبقية المدن العراقية من السقوط. واليوم، يقف ممثلو الشعب أمام مسؤولية "إعادة الدين" لهذه المؤسسة عبر إقرار قانون يضمن لها مكانة قانونية ودستورية تليق بتضحياتها.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



أبعاد القانون


القانون المطروح لا يُعد نصًا إداريًا فحسب، بل يمثل ـ وفق متابعين ـ اعترافًا رسميًا ببطولات وتضحيات آلاف الشهداء الذين كتبوا بدمائهم تاريخ العراق الحديث، ويهدف القانون إلى تثبيت حقوق المقاتلين، وتنظيم عمل الهيئة، ومنع محاولات التشويه أو التضعيف التي تتعرض لها.


ويرى المحلل السياسي د. كريم الساعدي أن "قانون الحشد الشعبي ليس قانونًا عاديًا، بل هو امتحان لمدى التزام الطبقة السياسية بدماء الشهداء. كل نائب سيُسجل موقفه اليوم أمام التاريخ، إما إلى جانب من حموا الأرض والعرض، أو في صف المتخاذلين".


من جانبه، يوضح الباحث الأمني علاء الخفاجي أن "إقرار القانون سيحسم جدلًا طويلًا حول شرعية وجود الحشد ضمن منظومة الدولة، وسيقطع الطريق أمام محاولات الخارج للتشكيك بشرعيته. العراق اليوم بحاجة إلى مؤسسة عسكرية – عقائدية مرتبطة بالقانون والدستور، لا أن تبقى في دائرة الجدل السياسي".


الضغوط الأميركية في الكواليس


وبحسب مصادر مطلعة، فإن واشنطن مارست خلال الأسابيع الأخيرة ضغوطًا مباشرة وغير مباشرة على عدد من القوى السياسية لمنع تمرير القانون، بحجة أن إقراره سيعزز من نفوذ الحشد ويمنحه قوة قانونية إضافية داخل المنظومة الأمنية العراقية. تلك الضغوط تنوعت بين رسائل دبلوماسية علنية وتحركات خلف الكواليس، وصولًا إلى تحذيرات من "تداعيات" تمرير القانون على علاقات بغداد الخارجية.


في المقابل، شدد عدد من النواب على أن البرلمان لن يخضع لهذه التدخلات، مؤكدين أن القرار سيبقى عراقيًا خالصًا، وأن التصويت على القانون هو رد واضح على كل الأصوات الخارجية، وأن الدماء التي روت أرض العراق لن تنتظر إذنًا من واشنطن أو غيرها، وموقفنا سيُسجل للتاريخ مهما كانت الضغوط".


معركة داخل قبة البرلمان


ورغم أهمية القانون، إلا أن تمريره لا يخلو من تعقيدات سياسية، فبعض القوى تخشى أن يتحول الحشد إلى لاعب سياسي ضاغط في الساحة الداخلية، بينما ترى أطراف أخرى أن أي تلكؤ في تشريعه يُعد "طعنة" في صميم التضحيات التي قُدمت.


التصويت على قانون الحشد الشعبي ليس مجرد جلسة برلمانية عابرة، بل هو محطة تاريخية فاصلة ستحدد شكل العلاقة بين الدولة وأحد أعمدتها الأمنية، ففي الوقت الذي يترقب العراقيون بقلوبهم قرار ممثليهم، يتضح أن الموقف يتجاوز حدود السياسة اليومية إلى قضية وجودية تمس هوية الوطن وأمنه.