يعدّ إطلاق النار العشوائي في العراق من أخطر الظواهر المجتمعية، والتي نتجت عن انتشار السلاح بشكل كبير، على الرغم من محاولات القوات الأمنية السيطرة على هذه الظاهرة.
حيث قرّرت عشائر عديدة في وسط وجنوب العراق مؤخرا، فرض عقوبات مشددة على مطلقي الرصاص العشوائي في المناسبات، في خطوة تهدف إلى الحد من هذه الظاهرة، مؤكدة أن العقوبة العشائرية لا تعفي الجاني من العقوبة القضائية.
وتتسبب ظاهرة إطلاق النار العشوائي في المناسبات بوقوع العديد من القتلى والجرحى بشكل أسبوعي وفي مختلف محافظات العراق، فإذا كانت الأسرة تحتفل بمناسبة زفاف أو فوز منتخب أو ليلة رأس السنة، فهم يطلقون النار فرحاً، وإذا كانت تحزن لوفاة أحدهم يطلقون النار وبشكل عشوائي حزناً وغضباً، وفي الحالتين هناك من ستصيبه عيارات نارية تودي بحياته.
وتسعى السلطات العراقية لمواجهة هذه الظاهرة عبر تشريع يتعامل مع المتورطين ضمن قانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد منذ عام 2005، فيما ينتقد مختصّون بالشأن المجتمعي استفحال ظاهرة إطلاق النار العشوائي في البلاد، ويعزونها إلى قلّة الوعي وعجز الحكومة عن السيطرة على السلاح المنفلت.
العزاء والختان والافراح
وفي هذا الصدد، يقول الناشط والحقوقي أحمد عبد الجبار، إن "المستشفيات العراقية تستقبل في كلّ مناسبة العديد من الإصابات نتيجة الرمي العشوائي، وهي مناسبات الزواج والعزاء والختان بشكل عام"، مبينا أن "هذه الظاهرة منتشرة أكثر في بغداد ومدن جنوب ووسط العراق، والمشكلة أنها تزداد وبشكل واضح".
ويقترح عبد الجبار أن "تتعامل الجهات المسؤولة مع معالجة ظاهرة إطلاق النار في المناسبات بطريقة أكثر جدية وصرامة ليتم السيطرة على هذه المشكلة".
ودعت وزارة الداخلية إلى شمول المتورطين بظاهرة الرمي العشوائي ضمن المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب، وهي المادة المتعلقة بتهديد حياة المواطنين والاستقرار الداخلي في البلاد، وتجيز لقوات الأمن التعامل مع الحادث بسرعة واعتقال المتورطين وإحالتهم للقضاء.
وقال حيدر العوادي، وهو أستاذ في جامعة بغداد، إنّ "استمرار هذه الظاهرة واستفحالها في أغلب المحافظات العراقية، دليل على تفشي الجهل في المجتمع، إذ لا يمكن التعبير عن الفرح أو الحزن أحياناً إلا بالرمي العشوائي، الذي فضلاً عن إزعاجاته فإنه يفتك بأرواح الكثيرين ويتسبب بحالات إعاقة خطيرة".
فوضى وتهديد للمواطن
وتقول الشرطة المجتمعية في وزارة الداخلية إنّ "هناك الكثير من الضحايا الذين يفقدون حياتهم في مناسبات الأعراس أو مجالس العزاء أو المشاجرات أو العراضات (استعراض عشائري بالأسلحة خلال المناسبات) التي يقوم بها شيوخ العشائر".
مضيفة أنه "من الضروري حصر الأسلحة بيد الدولة، سواء كانت الأسلحة خفيفة أو متوسطة، كونها تسبّب حالة من الفوضى وتهديداً لحياة المواطنين"، مشيرة إلى أن "فرق الشرطة المجتمعية نفذت المئات من الندوات في مضايف شيوخ العشائر الذين أبدوا تعاونهم في هذا المجال، كما تعهدوا بعدم السماح بالرمي العشوائي، إلّا أنه على الرغم من ذلك، هناك ارتفاع في نسبة الإصابات".
وقد أصدر مجلس القضاء الأعلى في العراق توضيحاً أكّد فيه أنّ عقوبة إطلاق النار بالمناسبات داخل المدن والقرى والقصبات هي الحبس لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن ثلاث سنوات، لكن الظاهرة آخذة بالاتساع بشكل كبير.
المتحدث باسم الداخلية العميد مقداد ميري، اكد ان "انتشار الأسلحة اصبح مشكلة كبيرة بعد عمليات تحرير العراق عام 2003 وما تبعها من احداث صعبة مرت على الشعب العراقي ومن بينها غزو تنظيم داعش الإرهابي، أدت الى ضعف كبير في الرقابة والسيطرة على عمليات التهريب والاتجار بالأسلحة عبر الحدود"، موضحا أن "هنالك من يعتبر في بعض المناطق الشعبية والريفية ان السلاح جزء من شخصيته وهويته".
ظاهرة قديمة
يقول الشيخ أحمد عبيد (54 عاما) -وهو أحد وجهاء إحدى العشائر المعروفة في العراق- إن ظاهرة إطلاق الأهازيج والقصائد الحزينة واستخدام العيارات النارية عند حصول الوفيات أو عند التشييع -ولا سيما للشخصيات المعروفة اجتماعيا في البلد أو في مناطقها- ليست جديدة عند العراق والعراقيين، بل هي قديمة ومضى عليها قرن من الزمن أو أكثر.
وتسبب إطلاق العيارات النارية في الجنائز والمناسبات الاجتماعية في قتل وإصابة مشيعين وعدد من سكان المناطق المجاورة نتيجة "الرمي العشوائي"، إضافة إلى الذعر الذي تسببه هذه الظاهرة.