الزراعة في "غرفة الإنعاش".. العراق يواجه أخطر جفاف في تاريخه
قانون الحشد بين التعطيل والإقرار.. صراع سياسي على حساب المضحّين
ثمانية أشهر من الانتظار.. الموازنة "العالقة" تشل الاقتصاد وتضع الحكومة في دائرة الاتهام
"رصاص المناصب".. اعتقال لاهور شيخ جنكي يفتح جرح الاتحاد الوطني ويتسبب بمقتل 4 عناصر
البرلمان أمام اختبار التاريخ.. قانون الحشد الشعبي بين شرعية الدم وصراع السياسة
في مشهد يُنذر بكارثة بيئية واقتصادية قادمة، أعلنت وزارة الزراعة العراقية تقليص المساحات المزروعة بمحصول الشلب إلى 200 دونم فقط، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "مؤشر انهيار وشيك" للقطاع الزراعي، الذي يعاني من تداعيات الجفاف ونُدرة المياه، في واحدة من أخطر الأزمات البيئية التي يشهدها العراق في تاريخه الحديث.
مستشار وزارة الزراعة، مهدي ضمد القيسي، أوضح أن تقليص خطة زراعة الشلب جاء بسبب الانخفاض الحاد في الخزين المائي، مشيرًا إلى أن الوزارة سعت منذ عامين إلى تعزيز استخدام تقنيات الري بالرش، التي توفر حتى 80% من استهلاك المياه مقارنةً بالري السيحي.
وأشار القيسي إلى أن الوزارة قامت بتوزيع 13 ألف منظومة ري بالرش بسعات مختلفة على المزارعين، بدعم حكومي يُغطي 30% من الكلفة، مع تقسيط المبلغ المتبقي لمدة عشر سنوات، مؤكداً أن هذه الخطوة ساعدت على تحقيق الاكتفاء الذاتي من محصول الحنطة الاستراتيجي للسنة الثالثة على التوالي.
لكن في المقابل، يرى خبراء أن رهان الحكومة على الري بالرش وحده غير كافٍ، ما لم يتم العمل على معالجة الأسباب الجذرية للأزمة، وأبرزها التفاوض الجاد مع دول الجوار بشأن الحصص المائية، وتطوير البنى التحتية للري، ومكافحة الهدر المائي.
أزمة طويلة الأمد
ويرى الخبير في شؤون المياه والزراعة، الدكتور رعد العلاق، أن الإجراءات الحكومية تبدو "ترقيعية" في مواجهة أزمة بنيوية، موضحاً أن "التحول إلى الري الحديث مهم، لكنه لا يعالج سوى جزء صغير من المشكلة، لأن الأزمة أكبر من التقنيات، إنها أزمة إدارة مائية وسوء تخطيط سياسي وغياب الاستراتيجيات البعيدة المدى".
ويضيف العلاق أن "العراق يفقد سنوياً آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية بسبب التصحر، ومع غياب سياسة مائية شاملة، نقترب من لحظة لا عودة، حيث تصبح الزراعة في بلاد الرافدين مجرد تاريخ في كتب الجغرافيا".
مزارعون يهجرون أراضيهم
في محافظة الديوانية، يقول المزارع أبو حسن (60 عامًا) إنه اضطر هذا العام إلى ترك نصف أرضه دون زراعة، بعد أن جفّت مياه النهر القريب، ويضيف بحسرة: "كنا نزرع الشلب ونعيش من خيره. اليوم صرنا نشتري الرز، والماء نبحث عنه كما يبحث الغريب عن وطنه".
ويتابع: "لا دعم حقيقي من الدولة، ولا حلول واقعية.. الحكومة تتحدث عن الري بالتنقيط والرش، لكن من لا يملك ثمن الخبز، كيف سيشتري منظومة ري؟".
وزارة الموارد المائية أكدت مراراً أن الأزمة خارجة عن السيطرة إلى حدٍّ كبير، مشيرة إلى أن نقص الخزين المائي داخل السدود أجبرها على إعادة ترتيب الأولويات، حيث يتم تأمين المياه أولًا لأغراض الشرب، ثم للبستنة عبر الري بالتنقيط، بينما تم تجميد خطة الزراعة الصيفية الواسعة.
وبينما تطمئن الوزارة بشأن زراعة الحمضيات والنخيل، تؤكد التقارير أن مخزون السدود انخفض إلى ما دون الحدود الآمنة، وهو ما يهدد الموسم الزراعي المقبل ويضع مستقبل الاكتفاء الذاتي على المحك.
المعطيات الميدانية والتقارير الرسمية تشير إلى أن العراق يمر بمرحلة حرجة على الصعيدين البيئي والزراعي، بفعل تراجع الخزين المائي، وتفاقم آثار التغير المناخي، والتحديات المرتبطة بسياسات دول الجوار المائية.
ورغم الجهود الحكومية في إدخال تقنيات الري الحديث وتقديم دعم محدود للمزارعين، إلا أن قدرة هذه الإجراءات على معالجة عمق الأزمة تبقى محلّ نقاش واسع بين المختصين والمراقبين.
ففي ظل غياب خطة وطنية شاملة لإدارة الموارد المائية، وتراجع الزراعة التقليدية لصالح نماذج أكثر تقشفًا في استهلاك المياه، يبقى مستقبل الزراعة العراقية مرهونًا بجملة من المتغيرات، أبرزها: طبيعة المواسم القادمة، والموقف الإقليمي من الحصص المائية، ومدى جدّية السياسات الحكومية في التخطيط المستدام.