دوري أبطال آسيا 2.. الصقور في مواجهة مصيرية مع التعاون السعودي اليوم
الداخلية تبعث تطميناً للمواطنين بشأن الحدود السورية: كل شيء مراقب
الموقف المروري في بغداد.. شوارع العاصمة تغص بالعجلات وتوقف شبه تام بالحركة
رئيس كوريا الجنوبية يرفع الأحكام العرفية والمعارضة تتحرك لإقالة حليف واشنطن
للحديث عن تطورات المنطقة.. البرلمان يستضيف السوداني في جلسة اليوم بناءً على طلبه
تأثير الجفاف على القطاع الزراعي والصيد
يشكل القطاع الزراعي والصيد جزءاً أساسياً من حياة العديد من العراقيين، وخاصة في المناطق التي تعتمد على الأنهار والبحيرات. ومع تفاقم مشكلة الجفاف، تعرضت الأنشطة الاقتصادية في هذه المناطق للتدمير.
تأثير الجفاف على الزراعة
يواجه المزارعون صعوبة في الحصول على المياه اللازمة لري المحاصيل الزراعية. ومع انخفاض إنتاجية الأرض، بدأت الكثير من المناطق الزراعية في العراق تعاني من التصحر.
تأثير الجفاف على الصيد
يعاني الصيادون في العراق من تأثيرات الجفاف بشكل خاص. مع انخفاض مستويات المياه في الأنهار والبحيرات، تقل أعداد الأسماك وتصبح عمليات الصيد أكثر صعوبة. وبذلك، يتعرض مصدر رزق العديد من الصيادين للخطر.
هجرة الصيادين إلى مناطق أخرى
نتيجة لعدم قدرتهم على العيش في ظل الظروف الصعبة التي يفرضها الجفاف، بدأ العديد من الصيادين في العراق بالهجرة من مناطقهم بحثاً عن مصادر دخل جديدة. تتوجه هذه الهجرة عادة إلى المدن الكبرى أو إلى دول أخرى، حيث يجد هؤلاء الصيادون أنفسهم في صراع للحصول على فرص عمل جديدة، مما يزيد من العبء على المدن والمناطق المستقبلة.
يُعد هذا الوضع مصدر قلق كبير للمجتمعات المحلية في الأهوار، حيث يُهدد بتفككها وفقدان هويتها الثقافية.
هاشم محيبس، مدير الموارد المائية في ذي قار، تحدّث عن المناسيب المائية في السنوات الماضية التي أسهمت في غمر مساحات من الأهوار تجاوزت 5 آلاف كيلو متر مربع، وهذه المساحة تّمثّل 25 بالمئة فقط من مساحة الأهوار، التي خسرت ثلاثة أرباع مياهها في العقد الأخير.
الأهوار على وجه الخصوص، تعتمد على نهر الفرات، فيما يسهم نهر دجلة بجزء ليس قليلاً من خلال منفذ السدة المائية الواقعة بيّن قضاء الجبايش وقضاء المدينة شمال البصرة، من هناك تُصرّف مياه دجلة إلى الأهوار.
لن يلتقيا مجدداً
السدة المائية بحسب مدير الموارد المائية بُنيت عام 2011، طولها 850 متراً، وارتفاعها 4 أمتار، وكانت في البداية سدة ترابية، تتضمن ما يسمى مهرباً مائياً يسمح للمياه بالتحرك في حال الموجات الفيضانية، يمكن للمياه الخروج من دجلة إلى الفرات، وفي حال زادت المناسيب في الفرات يمكن تصريفه إلى دجلة، ولكن نتيجة الزيادة المستمرة في نهر دجلة تم تطوير السدة بإنشاء نواظم أنبوبية بعدد 14 ناظماً، يبلغ تصريفها المائي جميعا 50 متراً مكعباً بالثانية.
نهر الفرات يمر بمحافظة ذي قار من مدينة السماوة باتجاه الجبايش، ليلتقي بنهر دجلة عند قضاء المدينة شمال البصرة، ولكن انخفاض منسوبه سرّع ببناء السدة المائية، كي يتم تغذية الأهوار فقط، ومنذ إنشاء السدة، انقطعت صلة الفرات بنهر دجلة، بعد أن كانا يلتقيان معاً في البصرة ويكونان شط العرب، فكمياته لا تسمح له أن يكمل مسيره إلى البصرة.
حسين الزيادي، أستاذ الجغرافيا في جامعة ذي قار، يبيّن أن أعلى مستوى إغمار للأهوار بلغ ذروته في عام 2019، عندما تجاوز 4478 كيلومتراً مربعاً، كان في حينها موسماً مطرياً غزيراً، ولكن سرعان ما انخفضت المساحات المائية نتيجة قلة الاطلاقات في عام 2021، حتى بلغت المساحات المغمورة 1490 كيلومتراً مربعاً، وزاد الجفاف في عام 2022، أما عام 2023، فيعتبر من أكثر السنوات التي زادت فيها مراحل الجفاف، “من أكثر مراحل الجفاف في تاريخ العراق الهيدرولوجي حيث استنفد الخزين المائي بشكل كبير، وبالحقيقة وصلت مساحتها إلى أقل من 600 كيلومتر مربع”.
توسّع الجفاف زاد من النزوح البيئي، وظهور ما يسمى “ترييف المدن”، نتيجة الانتقال من بيئة مجتمعية ريفية لها تقاليد وعادات إلى بيئة حضرية مختلفة جذرياً، وجميعها كانت نتيجة التغيرات المناخية.
سجلت محافظة ذي قار بحسب آخر تحديث لبيانات دائرة الهجرة والمهجرين، نزوح 7 آلاف عائلة، بسبب التغيرات المناخية، منذ عام 2019 وحتى عام 2023، وهذا الرقم المذكور هو الذي تم تدقيقه بشكل نهائي، وهناك 2000 ملف لعائلة نازحة أخرى في طور التدقيق لمعرفة هل ما زالوا نازحين أم عادوا إلى مناطقهم، “وهذا يعني احتمالية وصول عدد العوائل إلى 9 آلاف واردة جداً”. هذه العوائل يتراوح متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة فيها بين 5 إلى 6 أفراد.
حيدر سعدي، رئيس لجنة التغيرات المناخية الحكومية في ذي قار أكد، أنّ النزوح أثّر بشكل كبير على المهن الأساسية في المناطق الأهوارية، والريفية، ومنها صيد الأسماك وتربية المواشي، وخطورة الهجرة تكمن في عملية تغيير المهن، أي أنّ هناك شريحة كبيرة بعد أن كانوا منتجين تحولوا إلى مستهلكين، فضلاً عن المخاطر الأمنية التي تسببها الهجرة، ومستوى الضغط الذي يتشكل على مراكز المدن.
النزوح القسري
أشار سعدي إلى وجود نحو 300 صائد سمك، ومربياً للجاموس، مسجلين لدى وزارة الزراعة، تركوا مهنتهم ونزحوا إلى مراكز المدن، و168 نزحوا إلى محافظات أخرى، والذين قاموا بتغيير مهنهم لم يبلغوا بمهنتهم الحالية، والأمر لم ينته عند المهن، بل مستوى تسرب الأطفال من المدارس ارتفع، واستقرار البعض من النازحين في مناطق غير مخدومة، وبالتالي يتطلب توفير ميزانية مالية إضافية للعمل والعيش.
ناجي ارحيم رئيس جمعية صيادي الأسماك في المحافظة، يتحدث عن معاناةٍ عميقةٍ يعيشها الصيادون، فمن أصل 3 آلاف صياد مسجّلين في جمعيته، ترك قرابة الألف مهنتهم، إما نازحين إلى مدن الفرات الأوسط بحثاً عن فرصٍ جديدة في الصيد، أو تركوها نهائياً بسبب قسوة الظروف.
يُضيف ناجي، “غالبية الصيادين المسجّلين هم غير مسجّلين لدى قسم تنمية الثروة السمكية في دائرة الزراعة، لعدم وجود دعم كاف لتطوير مهنتهم أو مساعدتهم، لذا لم يرغبوا بالتسجيل لدى الدائرة الحكومية”.
المنظمة الدولية للهجرة IOM اعلنت في تقرير لها حول النزوح أن التدهور البيئي ألقى بظلاله بشكل كبير على الحياة في العراق، وتسببت أزمة المياه والجفاف بالنزوح في 12 محافظة عراقية، التقرير أشار إلى الفترة المنحصرة من حزيران 2018 ولغاية أيلول 2023، حيث نزحت نحو 22 ألف عائلة، وكانت ذي قار هي الأعلى بواقع 7890 عائلة، أي بمعدل 4 عوائل يومياً، تلتها ميسان بواقع 4420 عائلة، والنجف بواقع 3234 عائلة.
الجهاز المركزي للإحصاء، التابع لوزارة التخطيط، أعلن أن كمية الأسماك النهرية المنتجة لعام 2021 بلغت نحو 123 ألف طناً، إلا أن هذه النسبة انخفضت بمقدار 58 بالمئة في عام 2022.
حاتم الجبوري، معاون مدير عام الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة، أوضح، أنّ الوزارة تعمل على إدخال أنظمةٍ حديثةٍ للحفاظ على المياه داخل الأهوار والمسطحات المائية.
وتعتمد هذه على استخدام نظام مائي مغلق أو قنوات ري محددة، وهذه الأنظمة ستُسهم في توطين السكان المحليين من صيادي الأسماك والمربين، وأنّ وزارتي الزراعة والموارد المائية قد اتفقتا على مهلةٍ زمنيةٍ مدتها خمس سنوات لتطبيق هذه الأنظمة.
ولفت الجبوري إلى أنّ الثروة السمكية تُشكل أحد العناصر المهمة في الاقتصاد العراقي وخلال الموسم الحالي لعام 2024 تم إطلاق 240 مليون سابحة سمكية، و8 ملايين إصبعية، وبيع 300 ألف إصبعية للمربين، “هذه الكميات تساهم في زيادة الإنتاج السمكيّ في البلاد، أمّا الإنتاج السمكيّ لعام 2023 فقد بلغ 39 ألف طن، وأن عدد الإجازات الممنوحة لصيادي الأسماك بلغ 12284 إجازة، وأنّ خطط وزارة الزراعة لتعزيز الثروة السمكية تُبشّر بمستقبلٍ واعدٍ لهذا القطاع الحيويّ في العراق”.
صلاح الموسوي، مدير مركز الجنوب للدراسات، يجد أن الأرقام المتضاربة بين المؤسسات الحكومية والمنظمات الدولية في أعداد النازحين نتيجة التغيرات المناخية تشير إلى عدم وجود إحصاء دقيق حول الموضوع حتى الآن.
الأمن والغذاء
منار ماجد، التدريسية في جامعة ذي قار والمختصة في الجغرافية البيئية، ترى أن واحدة من مشاكل المناخ هو تأثيراته على الأمن المجتمعي، إذ يجبر الشخص على ترك عمله ومهنته التي اعتاد عليها وتعلمها منذ سنين، والبحث عن عمل آخر ليس من صنفه وتخصصه، كما هو الحال مع صائدي الأسماك، ومربي الجاموس، خصوصاً وأن أغلب السكان المحليين للأهوار والقرى والأرياف لا يمتلكون رواتب شبكة الرعاية الاجتماعية، أو رواتب تقاعدية، مما يدفعهم للبحث عن سبل وطرق للعيش قد تكون غير مسموح بها أو غير قانونية، فالعاطلون عن العمل يعملون للبحث والهرب من الواقع الذي هم فيه.
وتكمل ماجد، أن هذا النزوح يدفع نحو نقصان بالمقدرات الغذائية للإنسان من خلال حدوث فجوات غذائية، وهذا ناجم عن عدم استصلاح الأراضي الزراعية، بسبب انخفاض مناسيب المياه، وبالتالي ارتفاع نسب ملوحة التربة، مما أسهم في انخفاض الانتاجية.
ذي قار فقدت أهم مورد مائي ونظام طبيعي مميز للثروة الاقتصادية في مجال صيد الأسماك، كان قضاء الجبايش لوحده يصدر ما بين 90 إلى 100 طن يومياً من الأسماك، في الفترة التي كانت تمتلك وفرة مائية، أما في الوقت الحالي فقد وصلت إلى الصفر، فضلاً عن ذلك؛ المساحات الزراعية في عموم محافظة ذي قار التي كان المسموح بزراعتها تقارب 500 ألف دونم، أمّا الآن فلا تتجاوز 200 ألف دونم، والمحافظة تحتاج إلى 122 متراً مكعباً/الثانية من مياه دجلة، لتؤمن الزراعة والإسالة وتحقق اكتفاءً ذاتياً من الحنطة، لإنتاج الطحين، وما يصل هو أقل بكثير عن الكمية المقررة.
وفق إحصائية غير منشورة قامت بها منار ماجد، التدريسية في جامعة ذي قار، فأن قضاء النصر شمال الناصرية بلغ عدد النازحين منه 2915 شخصاً، ثمّ قضاء البطحاء غرب الناصرية، بلغ عدد النازحين نتيجة التصحر 1531 عائلة، تليها الجبايش بواقع 1442 عائلة، ومن ثم بقية الأقضية والنواحي.
في ظل الواقع المؤلم الذي يعيشه السكان المحليون في أهوار ذي قار، يقف سلام كنطار (39 عاماً) صانع الزوارق، حاملاً همًاً ثقيلاً على كتفيه، فهو الآخر يواجه مصيراً مشتركاً مع صائدي الأسماك، ولكنه ما يزال يقاوم، بعد أن كان يصنع ما معدله 5 زوارق شهرياً، يمخر بها أهالي الجبايش عباب الأهوار.
لكنّ الأيام تغيّرت، وانحسرت مياه الأهوار، فقلّ الطلب على زوارقه، ولم يعد الأهالي بحاجةٍ إلى شراء زوارق جديدة، كما في الأعوام السابقة، بدأت معدلات بيعه بالانخفاض، فهو يُصارع الآن شبحَ الفقرِ، لا يكادُ يبيع زورقين أو ثلاثةً في الشهر، ولا يملكُ مهنةً أخرى، ولا يستطيعُ مغادرةَ قضاءِ الجبايش بحثاً عن فرصٍ جديدة، خوفا