تركيا تُغري العراق بـ"الخطابات" وتعاقبه بالواقع.. معضلة المياه بلا حلول وصيف أشد عطشاً منذ سنوات

اليوم, 11:44
1 114

في ذروة أزمة مائية غير مسبوقة يعيشها العراق، تُهدد الزراعة والأمن المائي لملايين المواطنين، يخرج السفير التركي لدى بغداد، أنيل بورا أنان، بتصريحات وصفها مراقبون بأنها "بعيدة عن الواقع"، مؤكداً التزام أنقرة بتنفيذ اتفاقات إطلاق الدفعات المائية.


وبينما تتراجع مناسيب دجلة والفرات بشكل حاد، ويتحدث المسؤولون العراقيون عن خروقات تركية واضحة للاتفاقات الثنائية والدولية، جاءت تصريحات السفير خلال لقائه رئيس مجلس النواب محمود المشهداني، لتتناقض مع حقيقة الانخفاض الحاد في المياه الواردة من تركيا، ما يُظهر ازدواجية واضحة بين الخطاب الدبلوماسي والممارسات الميدانية.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



يعاني العراق منذ سنوات من أزمة مائية خانقة تُعد من أخطر التحديات التي تهدد مستقبله البيئي والاقتصادي وحتى الديموغرافي. فمع التغير المناخي، وانخفاض معدلات الأمطار، والتوسع غير المنضبط في بناء السدود من قبل دول المنبع، خاصة تركيا وإيران، تراجعت مناسيب نهري دجلة والفرات إلى مستويات غير مسبوقة.


وتُقدّر وزارة الموارد المائية أن الإيرادات المائية انخفضت بأكثر من 50‌% مقارنة بالسنوات السابقة، ما أدى إلى جفاف العديد من الأهوار، وتهديد مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، ونزوح آلاف العائلات من مناطقهم بسبب ندرة المياه.


وأكد السفير التركيّ لدى بغداد انيل بورا انان خلال لقائه رئيس البرلمان محمود المشهداني، مضي اتفاق إطلاقات الدفعات المائية إلى العراق وفق ما تمّ الاتفاق عليه.


الى ذلك، رد عضو لجنة الزراعة والأهوار النيابية، ثائر مخيف، على السفير التركي، فيما أكد ان الحكومة التركية بممارسة "سياسات مجحفة" تجاه العراق من خلال مواصلة تقليص الحصص المائية وخرق المواثيق الدولية.


وقال مخيف إن تصرفات تركيا تُعد خرقًا صريحًا للمواثيق الدولية، بما فيها قرارات إدراج الأهوار العراقية ضمن لائحة التراث العالمي، والتي تلزم دول المنبع، وعلى رأسها تركيا، بتوفير كميات كافية من المياه لضمان استدامة البيئة المائية وعدم جفافها.


وأضاف أن أنقرة وعدت العراق أكثر من مرة بإطلاقات مائية، منها ما تم الاتفاق عليه خلال زيارة رئيس البرلمان العراقي، حيث تعهد الجانب التركي بتوفير 420 مترًا مكعبًا في الثانية، لكن تبين لاحقًا أن هذه الوعود كاذبة كغيرها، ولم تُنفذ فعليًا، بل كانت مجرد حلول ترقيعية مؤقتة.


وأشار عضو لجنة المياه النيابية، ان تركيا أنشأت سلسلة سدود كبيرة على نهري دجلة والفرات دون الالتزام باتفاقيات تقاسم المياه، وهو ما انعكس سلبًا على الواقع البيئي والمعيشي، خصوصًا في مناطق الأهوار التي تعتمد على هذه الموارد بشكل مباشر.


وبات مخزون المياه بالعراق في أدنى مستوياته منذ 80 عاما، بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن المتحدث باسم الوزارة خالد شمال.


وأضاف شمال أن النقص في المياه أسوأ من عام 2024، وسيجبر السلطات على تقليص مساحة الأراضي الزراعية المزروعة هذا الصيف.


وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة والجفاف المستمر منذ 5 سنوات على الأقل، تنتقد بغداد بانتظام السدود التي بنيت على النهرين في بلدي المنبع تركيا وإيران، والتي أدت إلى انخفاض كبير في مستوى النهرين اللذين يشكلان المصدر الأساسي للمياه في العراق.


وقال شمال على هامش مؤتمر بغداد الدولي الخامس للمياه "لا يستلم العراق سوى أقل من 40‌% من استحقاقه، ونستطيع أن نلاحظ منسوب المياه في كل من دجلة والفرات".


وفيما يخص الحلول، أشار النائب ثائر الجبوري إلى أن هناك أكثر من ستة سدود مقترحة داخل العراق، أهمها السد المزمع إنشاؤه في محافظة العمارة، إلا أن العمل بها لم يبدأ رغم أهميتها الكبيرة في حصاد مياه الفيضانات خلال مواسم الذروة.


وانتقد مخيف بشدة أداء الحكومة العراقية تجاه هذا الملف، مؤكدًا أن "المفاوضات مع تركيا كانت وما تزال خجولة ولا ترتقي إلى مستوى خطورة الأزمة"، مشيرًا إلى أنه دعا سابقًا إلى "تشكيل مجلس أعلى دائم لإدارة المياه، يكون بعيدًا عن المحاصصة والطائفية، ويعمل بشكل استراتيجي لحماية حق العراق المائي".


الى ذلك، حذّر المختص بالشأن المائي تحسين الموسوي، من بلوغ الخزين الاستراتيجي للمياه في العراق مستويات غير مسبوقة من التدهور، مؤكداً أن نسب التخزين الحالية لا تتعدى 10 مليارات متر مكعب، وهي الأدنى في تاريخ البلاد، ما ينذر بأزمة مائية خانقة وتداعيات بيئية وصحية جسيمة.


وقال الموسوي إن "العراق يمر بأسوأ أزمة مائية منذ عقود، إذ إن التغير المناخي تسبب في تبخر أكثر من 50 مليار متر مكعب من المياه، في وقت تواصل فيه تركيا خفض الإطلاقات المائية إلى أقل من 200 ألف متر مكعب يومياً، وهو ما يعد تراجعاً كبيراً مقارنة بالسنوات السابقة".


وأضاف أن "أنقرة تتحمل الجزء الأكبر من الأزمة بسبب عدم التزامها بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحصة العراق المائية"، مبيناً أن "السدود العراقية، وفي مقدمتها سد الموصل، لا تطلق كميات كافية من المياه لتلبية الحاجة المحلية، حيث يطلق السد حالياً نحو 250 ألف متر مكعب فقط، وهي نسبة غير كافية لتغطية احتياجات الشرب والزراعة".