أزمة الرواتب تُشعل الخلافات الزوجية.. أرقام مخيفة لحالات الطلاق في كردستان
مع اقتراب الانتخابات.. الخطاب الطائفي يتصاعد وسط دعوات نيابية لتجريمه قانونيًا
كهف عراقي يبتلع جنوداً أتراك.. الأصوات تتعالى لإيقاف العدوان المستمر
"تعنّت" أربيل يعمّق أزمة الرواتب.. بغداد ترفض "الابتزاز" والايرادات خارج السيطرة
ملايين الزائرين يُحيون عاشوراء في كربلاء.. وركضة طويريج تسجّل حضورًا تاريخيًا
تشهد مدن إقليم كردستان تصاعدًا غير مسبوق في حالات الطلاق، في ظلّ أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالمجتمع الكردي، وتنعكس آثارها بوضوح على كيان الأسرة، التي باتت أولى ضحاياها، فمع تأخر صرف الرواتب، وتفاقم معدلات البطالة، وارتفاع نسب الفقر، تضيق سبل العيش وتتسع فجوة الخلافات بين الأزواج، حتى باتت محاكم الأحوال الشخصية تستقبل آلاف دعاوى الانفصال سنويًا.
وكشف المجلس العدلي التابع لوزارة العدل في حكومة إقليم كردستان عن ارتفاع مقلق في حالات الطلاق خلال عام 2024، حيث سُجِّل أكثر من 12 ألف حالة طلاق في مدن الإقليم.
وأوضح المجلس، في بيان له، أن عام 2024 شهد تسجيل 12,195 حالة طلاق في عموم الإقليم، توزعت بين 3,878 حالة في أربيل، و5,745 في السليمانية، و2,044 في دهوك، و728 في كركوك وكرميان.
ويؤكد باحثون مختصون أن ارتفاع معدلات الطلاق في الإقليم يعكس عمق الأزمات التي يعاني منها المجتمع، وعلى رأسها الأوضاع الاقتصادية الصعبة، والفقر، والبطالة.
متطلبات النساء
ويؤكد الباحث الاجتماعي نياز عبد الله أن من أسباب ارتفاع حالات الطلاق في إقليم كردستان الأزمة المالية وتأخر صرف رواتب الموظفين.
وبيّن في حديثه أن "من بين الأسباب الأخرى، المشاكل الأسرية الناتجة عن قلة فرص العمل، وبحث الشباب عن الهجرة، وعدم تحملهم المسؤولية، فضلاً عن المتطلبات الكثيرة لبعض النساء، التي لا تراعي وضع المواطن في ظل التحديات الاقتصادية"، مشيراً إلى أنه "وبحسب إحصائيات من مختصين ومحامين، فإن حالات الطلاق قد ارتفعت بنسبة 13% خلال العام الحالي، وهو ما يعني وجود مشكلة اجتماعية وأزمة ينبغي التصدي لها".
في حين يرى متخصصون أن "العوامل الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية تؤدي دورًا بارزًا في زيادة حالات الطلاق، بينما تبقى نسبة الزواج الثاني محدودة مقارنة بإجمالي الزيجات، ما يشير إلى استمرار الزواج الأحادي كخيار أساسي لدى الأزواج في الإقليم".
أزمة اجتماعية
من جهة أخرى، ترى الباحثة الاجتماعية هيلين كمال أن حالات الطلاق تشهد ارتفاعًا غير مسبوق خلال الأشهر الأولى من العام الحالي، وهذا الارتفاع يصل إلى حدّ الأزمة الاجتماعية، التي قد تؤدي إلى كوارث على المدى القريب.
وأوضحت أن "دور حكومة إقليم كردستان والجهات المختصة ضعيف جدًا، ولا يناسب حجم الأزمة، ويجب تشديد القوانين وعدم التهاون في قضايا الطلاق، منعًا لزيادة التفكك الأسري"، مبينة أنه "في السابق، كان القضاة يؤجلون دعاوى الطلاق أكثر من مرة على أمل الصلح بين الزوجين، وفي أحيان كثيرة، يتدخل الباحث الاجتماعي الذي تخصصه المحكمة كطرف وسيط لغرض إيجاد حل غير الطلاق".
وأضافت أن "ما يُلاحظ هو وجود زيادة كبيرة في عدد النساء اللواتي يرفعن دعاوى الطلاق، ويتنازلن عن حقوقهن، وهنا نحن أمام مشكلة كبيرة يجب وضع الحلول لها".
وكانت المحكمة المختصة في السليمانية قد أكدت أن حالات الانفصال في المحافظة شهدت تزايدًا ملحوظًا خلال العام الماضي، مقارنة بالعام الذي سبقه، فقد تم تسجيل آلاف الحالات في محكمة الأحوال الشخصية، إضافة إلى رصد العديد من حالات الانفصال خارج المحاكم المختصة.
وفي عموم العراق، يُلاحظ ارتفاع في نسب الطلاق داخل المجتمع، بسبب ارتفاع نسب الفقر، والعوامل الاقتصادية، إضافة إلى تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي، والعنف الأسري، وزواج القاصرات.
وتكثر المطالبات من قبل منظمات إنسانية وناشطين، للحكومة بالعمل على معالجة أسباب هذه الظاهرة الاجتماعية، لما لها من مخاطر على الأسرة والمجتمع.
الوضع الاقتصادي
إلى ذلك، يقول المحامي في محكمة السليمانية أيوب علي، إن ارتفاع حالات الطلاق هو جزء من المشاكل التي نتجت عن أزمة تأخر صرف رواتب الموظفين.
وأضاف أن "دعاوى طلاق تصل إلينا لأسباب بسيطة جدًا، ويمكن معالجتها، ولكن هناك نساء لا يقدّرن الحالة الاقتصادية العامة التي يمر بها الإقليم".
وتابع أن "زيادة متطلبات الأسرة والأولاد تشكل ضغوطًا اجتماعية كبيرة على المواطنين، ما يدفعهم إلى طلب الطلاق، للتهرب من المسؤولية".
كما أن "مواقع التواصل الاجتماعي كان لها أثر سلبي، إذ زادت من حالات الخيانة الزوجية، وأدت إلى خلافات كبيرة بين الزوجين، وهذا يتطلب دورًا أكبر من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية في رفع مستوى الوعي".
ويدعو بعض القضاة في كردستان إلى فرض قيود قانونية أكثر صرامة على إجراءات الزواج، واستخدام أحكام قانون الأحوال الشخصية لإصدار مبادئ أساسية جديدة، لأن سهولة إجراء عقود القِران “تسببت بتصاعد حالات الطلاق”.
وبحسب كتاب رسمي من أحد أعضاء هيئة الادعاء العام في السليمانية رُفع إلى رئاسة الادعاء، فإن العديد من القضاة يطلبون تعديل الطرق التقليدية للزواج وإجراء تعديل في إجراءاته، باستخدام أحكام قانون الأحوال الشخصية لإصدار مبادئ أساسية جديدة.
وجاء في رسالة المدعي العام أن "شكل العقد الحالي لا يعرّض الشباب والفتيات للمساءلة الكافية، ولا يجعلهم يأخذون خطورة الأمر بشكل جدي".