بعد سباتٍ طويل.. دعوات نيابية لاستئناف عمل البرلمان وتمرير القوانين العالقة
خبات تُعرّي حكم عائلة بارزاني.. السلاح بيد العشائر والسلطة على حافة الانهيار
الولاءات الحزبية الضيقة تفضح البيشمركة.. الهركي يقوّض "قوات بارزاني" ويكشف ضعفهم الأزلي
أزمة الرواتب تُشعل الخلافات الزوجية.. أرقام مخيفة لحالات الطلاق في كردستان
مع اقتراب الانتخابات.. الخطاب الطائفي يتصاعد وسط دعوات نيابية لتجريمه قانونيًا
في قضاء خبات غرب أربيل، لم يكن صوت الرصاص يوم الثلاثاء مجرّد صدى لمشكلة محلية، بل إعلانًا صريحًا عن مأزقٍ عميق يعيشه إقليم كردستان؛ مأزق تتداخل فيه الحدود بين المؤسسة العسكرية والولاء القبلي، بين الشعار الوطني والحساب الحزبي.
الصدع القديم.. والرصاصة الأولى
الخلاف الذي اشتعل على خلفية نزاع زراعي بين عشيرتي الهركي وكوران، تحوّل خلال أيام إلى مواجهة دامية حوّلت خبات إلى ساحة حرب مصغّرة. الصراع تصاعد بسبب شخصيات ذات ثقل عشائري وعسكري، أبرزهم خورشيد هركي، أحد كبار الضباط في البيشمركة، وبشار مشير آغا، المقرب من عائلة البارزاني.
منذ البداية، لم تكن المسألة حول "ماءٍ يُحوَّل"، بل عن "قوةٍ تُنزع". فالمعركة كشفت عن انقسام داخل البيت الكردي نفسه، حيث تستخدم العشائر نفوذها العسكري، وتستخدم القوات الرسمية أدواتها القبلية، لتصفية الحسابات.
رماد الحزب في نار البيشمركة
البيشمركة، التي لطالما صُورت على أنها الدرع الحامي لكردستان، باتت اليوم تواجه اتهامات بفقدان الحياد والاحتراف. فكيف لضابط مثل خورشيد هركي أن يمتلك ترسانة تقاتل بها الدولة نفسها؟ الإجابة تتوارى خلف سنوات من التسليح السياسي، حيث تحوّلت الموارد العسكرية إلى أدوات لفرض الهيمنة الحزبية على العشائر والمناطق الحساسة.
الأسلحة التي وُجهت نحو الزيرفاني، هي ذاتها التي مُنحت سابقًا لخورشيد لضمان ولائه للحزب الديمقراطي الكردستاني في مناطق غرب أربيل. وهو ما يفتح الباب أمام تساؤلات خطيرة: من الذي يملك القوة فعلاً؟ الدولة أم الحزب؟ القانون أم العشيرة؟
سقوط "رمزية" البيشمركة
انفجار الأزمة أظهر هشاشة الانضباط داخل البيشمركة، حين انقلب أفرادها على بعضهم البعض لا بسبب خطر خارجي، بل بسبب خلاف داخلي. في نظر البعض، لم تعد البيشمركة اليوم قوة وطنية، بل أذرعًا تتبع مصالح العائلة السياسية الحاكمة، وتُستخدم لتصفية الخصوم داخل البيت الحزبي ذاته.
فخورشيد هركي لم يكن مناوئًا للدولة، بل من رجالاتها المقرّبين. وحين خرج عن خط الطاعة، سُرعان ما تحوّل إلى عدو تجب تصفيته بالقوة. هذا التناقض يشي بأن "التمرد" ليس على الدولة، بل على هيكل السلطة الحزبية الذي بات أضيق من أن يستوعب طموحات رجاله.
التحشيد العشائري.. عودة منطق السلاح
الأخطر من المواجهة هو ما تلاها؛ بيانات تحريضية من شيوخ عشيرة الهركي، خصوصًا من رئيس العشيرة المنفي جوهر آغا، الذي وصف ما يجري بأنه "ظلم ديكتاتوري من عائلة البارزاني"، داعيًا أبناء العشيرة إلى "الدفاع عن كرامتهم"، في خطاب تعبوي يعيد إلى الأذهان مشاهد ما قبل الحروب الأهلية.
هذه الدعوات ليست فقط تحديًا للدولة، بل تهديد لبنية المجتمع الكردي، الذي لطالما افتخر باستقراره مقارنة بباقي العراق. تحوّل المواجهة إلى صراع مفتوح بين فصيل داخل البيشمركة وقوات أمنية حزبية قد يشعل سلسلة ردود فعل يصعب احتواؤها.
دولة على حافة الانهيار
ما جرى في خبات ليس حدثًا طارئًا، بل هو عرضٌ متقدّم لمرضٍ مزمن. فالدولة التي لا تحتكر السلاح، ولا تستطيع ضبط أجهزتها، هي دولة مهددة من الداخل. والسلطة التي توزع النفوذ على أساس الولاء، لا على أساس الكفاءة، هي سلطة تؤسس لانهيارها القادم.
كردستان اليوم أمام لحظة مفصلية: إما العودة إلى دولة المؤسسات التي تفصل بين القبيلة والسلاح، وبين الحزب والجيش، أو الانزلاق إلى صراعات لا تبقي ولا تذر، خاصة مع وجود خصوم خارجيين يترقبون هذا التفكك.