ورقة العراق تسقط باستراتيجية ترامب للأمن القومي 2025.. الصين منافس اقتصادي والشرق الأوسط بوابة للاستثمار

اليوم, 16:35
1 646

كشفت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن استراتيجيتها للأمن القومي لعام 2025، والتي تحدد ملامح السياسة الخارجية والدفاعية للولايات المتحدة للسنوات المقبلة.

الوثيقة التي جاءت تحت شعار "أميركا أولاً"، لم تكتفِ بإعلان نهاية حقبة التدخلات العسكرية وتغيير الأنظمة، بل قدمت هندسة جديدة كلياً للشرق الأوسط، تحوله من "مصدر للكوارث" إلى "شريك استثماري"، مسقطة في طريقها أحد أهم ملفات واشنطن طيلة عقدين وهو العراق.

وجاء في الوثيقة، التي تصدرها كل إدارة أميركية جديدة وتوجّه عمل عدد من الوكالات الحكومية، إن ترامب "سيستعيد التفوق الأميركي" في نصف الكرة الغربي ويضع المنطقة على رأس أولويات السياسة الخارجية للإدارة.

وتظهر الوثيقة المكونة من 29 صفحة، أن سياسة ترامب مدفوعة "قبل كل شيء بما يصلح لأميركا".

وحددت الوثيقة، أمن الحدود كعنصر أساسي في الأمن القومي (إنهاء الهجرة الجماعية)، وحماية القاعدة الصناعية الأميركية، والتفوق التكنولوجي.

أما بالنسبة للشرق الأوسط، فقد حددت الاستراتيجية هدفا واضحا وهو "منع أي قوة معادية من السيطرة على الشرق الأوسط وموارده"، مع التشديد الصارم على تجنب "الحروب الأبدية" التي استنزفت أميركا في الماضي.


سوريا.. معادلة رباعية تضم "إسرائيل"

نصت الوثيقة صراحة على أن سوريا "ما تزال تمثل مشكلة محتملة"، لكن الحل يكمن في معادلة استقرار رباعية الأضلاع تشمل: "دعم أميركي، عربي، تركي، وإسرائيلي".

وتشن إسرائيل هجمات داخل سوريا من حين لآخر، وطالبت الولايات المتحدة تل أبيب بوقف هذه الهجمات، وأشادت بالإدارة الجديدة في دمشق.

الوثيقة أعلنت بوضوح تراجع الأهمية "التاريخية" للشرق الأوسط بالنسبة لأميركا (أي النفط)، بفضل تعاظم إنتاج الطاقة الأميركي الداخلي، وبدلاً من المغادرة، تعيد واشنطن تعريف المنطقة كـ "مصدر ووجهة للاستثمار الدولي".

وعددت الاستراتيجية مجالات التعاون الجديدة التي تتجاوز النفط والغاز، لتشمل: الطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي (AI)، وتكنولوجيا الدفاع، حيث أشارت إلى شراكة مع دول المنطقة لفتح أسواق جديدة في أفريقيا، وتأمين سلاسل التوريد العالمية.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

الخليج: نهاية "الوعظ" الأميركي

ربما تكون هذه الفقرة هي الأكثر ترحيباً في العواصم الخليجية، حيث أقرت إدارة ترمب رسمياً فشل وتخلي واشنطن عن "تجربتها الضالة في وعظ الدول" (hectoring)، وتحديداً الأنظمة الملكية الخليجية، لدفعها نحو التخلي عن تقاليدها وأنظمة حكمها.

الاستراتيجية الجديدة تتبنى مبدأ "قبول المنطقة وقادتها كما هم"، وتشجيع الإصلاح فقط "عندما ينبع عضوياً من الداخل"، منهية بذلك سنوات من التوتر الدبلوماسي القائم على ملفات حقوق الإنسان والديمقراطية الليبرالية.


إعادة التركيز على نصف الكرة الغربي

تضع الاستراتيجية الجديدة نصف الكرة الغربي في صدارة الأولويات الأميركية، ضمن نسخة جديدة من مبدأ مونرو المعروف باسم النسخة “الترامبية”، حيث تعتبر أي تمدد لقوى غير إقليمية في الأمريكتين تهديدا مباشرا للأمن القومي.

وتشمل الأولويات الأمنية الداخلية تعزيز الأمن البحري وخفر السواحل، ضبط الهجرة، مكافحة الكارتلات والجريمة العابرة للحدود، مع تقليص الدور الأميركي في مناطق الصراع التي فقدت أهميتها النسبية.

ويلاحظ الخبراء أن الصين لم تعد تصنف كـ “تهديد وجودي”، بل منافس اقتصادي خطير، وهو ما يعكس تحولًا في الخطاب الأميركي من صراع أيديولوجي إلى صراع على المصالح الاقتصادية المستقبلية.

وتعترف الاستراتيجية بأن سياسة الرسوم الجمركية منذ 2017 لم تنجح في كبح الصين، إذ نجحت الأخيرة في تعزيز نفوذها في سلاسل الإمداد العالمية، خاصة في أفريقيا وأميركا اللاتينية.

وتسعى واشنطن الآن إلى بناء تحالف اقتصادي دولي يضم أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية، لمواجهة النفوذ الصيني، مع التركيز على ضبط فائض الطاقة الإنتاجية وتحويله نحو أسواق غير أميركية.


تايوان وميزان القوى العسكري

تطرح الوثيقة لأول مرة احتمال تراجع التفوق العسكري الأميركي على الصين، محذرة من أن الدفاع عن تايوان قد يصبح مستحيلاً إذا لم يتم دعم الحلفاء بشكل كافٍ.

وتؤكد الاستراتيجية أن تايوان أولوية استراتيجية لكنها ليست مصلحة حيوية مباشرة، مع التشديد على منع أي تغيير أحادي للوضع القائم في مضيق تايوان، بينما تُظهر واقعية في تحديد حدود القدرة العسكرية الأميركية الفعلية.


نهاية الرسالة الليبرالية

النقطة الأبرز في الوثيقة أنها تنهي السياسة الأميركية القائمة على الرسالة الليبرالية، حيث لم تعد الولايات المتحدة تسعى لنشر الديمقراطية أو فرض القيم، بل تحوّل التركيز إلى المصالح الاقتصادية والتجارية الواقعية.

ويبرز هذا التحول بوضوح في تعامل واشنطن مع حلفائها، حيث يطرح التحدي البنيوي صعوبة بناء تحالف اقتصادي متماسك ضد الصين، في ظل استمرار سياسة المفاوضات والصفقات الاقتصادية والدفاعية مع الشركاء التقليديين، ما قد يثير تساؤلات حول جدوى التضحية بمصالح اقتصادية لدعم الولايات المتحدة منفردة.