"سبايكر".. ذاكرة الدم التي لا تموت: حين تحوّلت قصور الطغيان إلى مسارح إعدام
موازنة 2025.. ورقة ضغط سياسية على طاولة انتخابية "ملتهبة"!
السكان أحرقوا منازلهم ومضايفهم.. كارثة بيئية تطرق أبواب الأهوار
أزمة الكهرباء تشتد مبكراً.. مجمعات سكنية "تستولي" على حصص المناطق المأهولة
"ثلاثية التميّز".. إنجاز عراقي غير مسبوق يسطع في سماء المشاعر المقدسة
تشهد منطقة الأهوار في جنوبي العراق أزمة بيئية غير مسبوقة تهدد وجودها، في ظل تفاقم أزمة الجفاف وانخفاض مناسيب المياه التي تغذيها من نهري دجلة والفرات. وبينما يطالب خبراء بيئيون بتحرك عاجل لإنقاذ المنطقة، تتزايد التحذيرات من كارثة بيئية وإنسانية قد تفقد معها البلاد أحد أهم رموزها البيئية والثقافية، وتعرض سكانها إلى التهجير القسري وتغيير نمط حياتهم التقليدي القائم على الماء والقصب والأسماك.
وتعاني الأهوار، الممتدة على مساحة تقارب 20 ألف كيلومتر مربع جنوب العراق، من تراجع خطير في مناسيب المياه نتيجة انخفاض واردات نهري دجلة والفرات، ما أدى إلى تقلص مساحتها إلى النصف تقريباً. وتشمل الأهوار ثلاث مناطق رئيسية هي: هور الحويزة شرق محافظة ميسان، وهور الحمّار بين محافظتي ذي قار والبصرة، وأهوار الوسط بين ميسان وذي قار.
وسُجلت خلال الفترة الماضية خسائر كبيرة في الثروة السمكية، إذ فقدت المنطقة أكثر من 95% من هذا المورد الحيوي، فضلاً عن تراجع قطعان الجاموس بنسبة تقترب من 40%، ما هدد الأمن الغذائي لسكان الأهوار ودفع آلاف الأسر إلى الهجرة القسرية.
السكان يحرقون منازلهم ومضايفهم
وفي خطوة تعبيرية غير مسبوقة، أقدم عدد من السكان المحليين على حرق منازلهم ومضايفهم التقليدية احتجاجاً على "سرقة الماء"، في إشارة إلى يأسهم من غياب المعالجات الجذرية لأزمة المياه، وخشيتهم من ضياع نمط حياتهم الذي توارثوه جيلاً بعد جيل.
يقول جاسم الأسدي، رئيس تجمع "طبيعة العراق"، في تصريح: "أهوار العراق تواجه اليوم واحدة من أخطر الأزمات البيئية في تاريخها، بعد تسع سنوات على إدراجها ضمن لائحة التراث العالمي، إذ يؤدي الجفاف المتفاقم وتراجع المنسوب المائي إلى كارثة إنسانية وبيئية تتصاعد يومياً". ويؤكد أن "ما يحدث لا يمسّ سكان الأهوار وحدهم، بل يهدد الأمن البيئي والغذائي الوطني بشكل مباشر".
ويشير الأسدي إلى أن الأهوار بحاجة إلى 5.4 مليارات متر مكعب من المياه سنوياً لاستعادة التوازن البيئي، محذراً من أن استمرار الوضع الراهن سيؤدي إلى انقراض نمط حياة فريد من نوعه، يشكل جزءاً أساسياً من الهوية الثقافية والبيئية للعراق.
وتعاني الأهوار أيضاً من تلوث بيئي حاد، نتيجة تصريف مياه الصرف الصحي من أكثر من 40 محطة مباشرة فيها، ما أدى إلى تفشي الأمراض وتدهور جودة المياه، وانعكس سلباً على الكائنات الحية التي تعتمد على هذه البيئة الطبيعية.
ويرى مختصون أن هذه الأزمة تتطلب استجابة حكومية عاجلة، تبدأ بالتفاوض الجاد مع دول الجوار بشأن الحصص المائية، وتنفيذ مشاريع مستدامة لحماية الأهوار من الجفاف والتلوث، وتوفير دعم حقيقي لسكانها.
ويؤكد الأسدي أن "ما يحدث في الأهوار ليس مجرد أزمة محلية، بل مأساة وطنية تهدد باندثار نمط حياة استمر آلاف السنين، وتحمل الدولة العراقية مسؤولية قانونية وأخلاقية للحفاظ على هذه المنطقة المصنفة كمحمية طبيعية ضمن قائمة التراث العالمي".
وتوشك الأهوار العراقية، أحد أعظم كنوز العراق الطبيعية والتراثية، على الخروج من التاريخ بفعل الجفاف والإهمال. وبينما يصرخ سكانها في وجه العطش والتهميش، لا يزال الأمل معقوداً على صحوة بيئية وطنية ودولية لإنقاذ ما تبقى من هذا الإرث العظيم، والحفاظ على تنوعه البيئي والإنساني للأجيال القادمة.