"محمد النجار" ملهم مبتوري الأطراف في العراق.. ما قصة تكريم "المجاهد" بالإمارات؟

11:31, 4/03/2024
503

لم يكن يتخيل الكثيرون ممن يعرفون "المجاهد" العراقي الدكتور محمد النجار “37 عاماً”، أن فقدانه لساقه في عام 2014، سيكون بادرة أمل لكثير من مبتوري الأطراف في العراق.

النجار، وهو نجل "أبو علي البصري" المجاهد وأحد مؤسسي الحشد الشعبي، فقد ساقه اثناء تلبيته لنداء المرجعية العليا وفتواها المباركة بالجهاد الكفائي ضد داعش الإرهابي في 2014، وحوّل المستطيل الأخضر، إلى دافع قوي يجدد عبره الأمل ويستعيد به الثقة بالنفس والحلم بحياة جديدة بعد أن وضعت الحرب في العراق أوزارها.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل


خطف الانظار في دبي

وخطف الشاب العراقي محمد النجار، مؤسس أول فريق لمبتوري الأطراف، الأنظار في حفل مبادرة صناع الأمل في دبي، حيث تم تكريمه مع 3 صناع أمل آخرين، من بينهم العراقية تالاً خليل التي فازت بالجائزة قبل أن يتم الاعلان عن فوز جميع صناع الأمل الأربعة بنفس قيمة الجائزة.


محمد النجار حاصل على درجة الدكتوراه في القانون الدولي، وفقد ساقه اثناء تطوعه للقتال ضد داعش الإرهابي عام 2014، لكنه تحدى إعاقته ليكون سندا لعائلته وأحبائه.

يقول "النجار" عن هذه اللحظات العصيبة: "أول شيء خطر في البال عائلتي.. والطفلة الصغيرة كيف أحملها وكيف أدير هذا البيت في هذا الوضع".

وأضاف بالقول "عدت إلى وظيفتي وأنجبت ولدا لكن الشيء الوحيد الذي كنت أفتقده كرة القدم.. كنت أحبها".

لكن صدفة أثناء دراسته في المملكة المتحدة كانت سببا لتحقيق شغفه، حينما قرر تأسيس أول فريق لمبتوري الأطراف في العراق: "بعدما عدت لبلادي وجّهت دعوة عامة لمن ينضم للفريق".

وأعاد هذا الفريق لحياة لاعبيه قيمتها، وصنع لهم أحلاما جديدة، وتأهلوا لبطولة كأس العالم في تركيا، وهناك تحدوا يأسهم وصنعوا من إعاقتهم طريقا إلى العالمية.

ويضيف "النجار" "رغم عدم توافر الإمكانات لكن حب العراق وشغف اللاعبين بالكرة وعزيمة هذه الشريحة جعلتهم يؤسسون منتخبا قويا جارى منتخبات عريقة هذا هو الإنجاز الحقيقي في حياتي".

ويضم المنتخب العراقي لمبتوري الاطراف في الوقت الحالي 70 لاعبا، وحصد 6 بطولات عربية وعالمية.

وقال "النجار" في كلمة له خلال الحفل "لاعبو الفريق يحملون جراحهم وأملهم.. هذا الفريق زرع فيهم الأمل".

"النجار" اعتبر أن مبلغ الجائزة يساعد في توفير الإمكانات والملاعب التي تليق بالفريق والتجيهزات ووسائل النقل وقال "سيساعدنا في خدمتهم بصورة أفضل ونعوضهم بشيء بسيط مما فقدوه".


بداية الحكاية الملهمة

بدأت الحكاية الملهمة لصانع الأمل العراقي المجاهد محمد النجار بعد أن فقد ساقه نتيجة تطوعه للقتال ضد "داعش" الإرهابي، حيث أصيب برصاصة في ساقه نتجت عنها مضاعفات عرضت حياته للخطر، وأدخلته في غيبوبة لأكثر من شهرين، لكنه ما إن استفاق حتى قرر أن يخلق لنفسه فسحة من الأمل مهما ضاقت به الأماكن، حيث قرر تحويل هذا الحادث المفجع إلى ذكريات بعيدة، والانطلاق في مجال العمل الإنساني الذي اتخذه أسلوب حياة ومنهج عمل، وبوصلة ترشده على طريق الأمل.

ولم يستسلم النجار وبدأ مرحلة التعافي وعاد إلى عمله في وزارة النفط العراقية، وتمكن من الحصول على بعثة لدراسة الدكتوراه في لندن، بعد أن تكيف مع الطرف الاصطناعي الذي تم تركيبه له وبدأ بالعودة للمشي وأداء أعماله اليومية والاهتمام بأسرته.


حلم كرة القدم

ورغم انشغال النجار بدراسة الدكتوراه في القانون في بريطانيا عام 2016، إلا أنه لم يفقد يوماً شغفه بكرة القدم، حيث كان يحلم بأن يكون لاعباً يترك بصمة وذكريات لدى الجماهير، إلا أن تنظيم "داعش" الإرهابي أجهض هذا الحلم، لكنه عاد إليه مرة أخرى بعد أن علم أن هناك فريقاً لمبتوري الأطراف في مدينة بورتسموث البريطانية التي يدرس فيها ويحمل الاسم نفسه، فكتب إليهم، وأراد الانضمام إليه، وهو ما حدث بعد ذلك.


وبعد أن تحقق حلمه وعاد إليه شغفه، وأصبح جزءاً من فريق بورتسموث، شارك معه في الكثير من المباريات على مدار 4 سنوات هي مرحلة دراسته ببريطانيا، ومن هناك حاول وضع نواة لفريق عراقي من مبتوري الساق، لكن هذه الفرصة لم تحن إلا بعد عودته إلى بغداد.

وتمكن صانع الأمل العراقي مع فريق بورتسموث من الحصول على كأس دوري إنجلترا في عام 2018، وقد ازدادت شهرته بين العرب والعراقيين في مدينة بورتسموث بعد حصوله على لقب أفضل لاعب في النادي عام 2019، الأمر الذي حفزه أكثر على نقل التجربة إلى وطنه، بعد أن أعادت له كرة القدم ثقته بنفسه ولياقته البدنية.

نقل التجربة إلى العراق

ولم يكن الأمر سهلاً على صانع الأمل العراقي في بادئ الأمر، لأنه لم يتمكن من إيجاد الأشخاص المطلوبين، حتى قرر أن يكلف زميلاً له، يعمل على صناعة الأطراف الصناعية، لنشر الخبر والبحث عن لاعبين، وبالفعل بعد اختبارات عديدة للمتقدمين، اختار نحو 50 لاعباً سبق وأن مارسوا كرة القدم.

وخلال هذه الفترة لم يستطع أي من التحديات إيقاف النجار عن خططه، حيث حاول ولأكثر من سنة مع الفريق الذي كانت تتراوح أعمار لاعبيه بين 14 و40 عاماً، المشاركة في مباريات ودية دولية عديدة، رغم عدم اعتراف الجهات المعنية في العراق بالفريق في بادئ الأمر، لكن حصوله على اعتراف الاتحاد الدولي لكرة قدم مبتوري الأطراف سهل المهمة.


التأهل لكأس العالم

ولأن النجار انتهج طريقة العمل بروح الفريق الواحد، نجح الفريق العراقي وخلال عام واحد فقط من مولده في التأهل لكأس العالم لمبتوري الأطراف التي استضافتها تركيا في شهر أكتوبر الماضي، وتمكن من تحقيق ثلاثة انتصارات على منتخبات أوروغواي وإيرلندا وألمانيا، وخسر ثلاثاً أخرى، ووضعت هذه الإنجازات تصنيف فريق العراق لكرة القدم لمبتوري الأطراف في الترتيب الـ19 عالمياً من أصل سبعين فريقاً على الرغم من حداثة التجربة العراقية والتنافس مع فرق لها باع طويل في اللعبة.

وبالطبع، لم يكن طريق النجار في هذه الفترة مفروشاً بالورود، بل عمل على إعادة الروح إلى هذه الشريحة المثخنة بالجراح، بعد أن فقد بعضهم الشغف في الحياة وتملكه اليأس، لكنه كان يؤكد لهم دوماً أنهم وكما ضحوا بجزء من أجسادهم من أجل الحفاظ على وحدة وأمن العراق سيضحون مرة أخرى، ومرات من أجل رفع اسم دولتهم في المحافل العالمية.

ولم يكتف النجار ببث الحماس بين فريق العراق، بل تكفل في بداية الأمر بنفقات الفريق من تأجير ملاعب، وشراء الزي الرسمي، لكن وبمرور الوقت وجد رعاة يودون مساعدة الفريق في خطواته، التي ألهمت عدداً من الأندية العراقية ودفعتها إلى تكوين فرق محلية لكرة القدم لمبتوري الساق.


300 ألف صانع أمل

واستقبلت مبادرة صناع الأمل أكثر من 300 ألف صانع أمل عربي خلال أربع دورات، الأمر يظهر أن هناك تعطشاً كبيراً لدى أبناء الوطن العربي للمساهمة في العطاء وإرساء الأمل كفعل حقيقي.

وانطلقت الدورة الأولى من مبادرة صناع الأمل، في عام 2017، من خلال إعلان نشره محمد بن راشد آل مكتوم على حساباته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي، يعرض فيه وظيفة لصانع أمل؛ شروطها أن يتقن المتقدم مهارات البذل وخدمة الناس، وأن يكون إيجابياً ومؤمناً بطاقات من حوله من أبناء الوطن العربي، وأن تكون لديه خبرة تتمثل في قيامه بمبادرة مجتمعية واحدة على الأقل، وذلك نظير مكافأة قيمتها مليون درهم، علماً بأن التقدم لوظيفة صانع الأمل متاح لأي شخص دون تحديد عمر معين.

ولقي الإعلان تفاعلاً كبيراً في الوطن العربي، وبلغ التصفيات النهائية 20 صانع أمل من مختلف أنحاء الوطن العربي، تبنوا مبادرات متنوعة تغطي مختلف المجالات الإنسانية والمجتمعية، ومن بين هؤلاء نوال الصوفي، من المغرب والمقيمة في إيطاليا، التي كرست نفسها لإنقاذ اللاجئين الفارين إلى أوروبا عبر البحر مساهمة في إنقاذ أكثر من 200 ألف لاجئ.

وبرزت في الدورة الأولى مبادرة هشام الذهبي، من العراق، الذي تبنى قضية أطفال الشوارع مقدماً لهم كل أشكال الرعاية من خلال البيت العراقي للإبداع، الذي أسسه خصيصاً لهم.

وتستهدف مبادرة "صناع الأمل" الأفراد والفرق والمؤسسات غير الربحية الذين لديهم مبادرات أو برامج تعليمية أو صحية أو بيئية أو خدمية أو تنموية أو تثقيفية، موجهة إلى فئة أو شريحة مجتمعية بعينها، بهدف إحداث فرق إيجابي في حياتها والمساهمة في بناء واقع أفضل لها، الأمر الذي ينعكس على استقرار المجتمع وتعزيز أواصر التعاضد والتكافل الإنساني والمجتمعي ككل.