تنتحل حسابات وهمية على "فيسبوك" صفة أطباء عراقيين مشهورين، ويقع المرضى ضحية علاجات وهمية وأخرى منتهية الصلاحية وخلطات عشبية، في ظل عجز النقابة والجهات الأمنية عن مواجهة الظاهرة التي تعكس فوضى القطاع الصحي.
وقع الثلاثيني العراقي أثير علي ضحية محتال أنشأ صفحة على موقع فيسبوك تحمل اسم الدكتور وليد سرحان استشاري أمراض القلب المعروف على مستوى البلاد، بعدما راسله من أجل الذهاب إلى عيادته، لكن أتاه الرد بأن يصف حالته وسيصل إليه العلاج في أقل من 24 ساعة.
اكتشف علي أن العبوة التي وصلت إليه عبارة عن خلطة عشبية في علبة شفافة، ولا تحمل اسم أي علامة تجارية، وبسبب ما حدث توجه في نهاية فبراير/شباط 2024 إلى مستشفى أربيل الدولي شمال العراق حيث يعمل الدكتور سرحان، والذي أخبره بعدم وجود أي علاقة له بالصفحات التي تنتحل اسمه، وأنه لا يكتب أي وصفة دوائية خارج عيادته.
يقول علي إنه وقع ضحية النصاب بسبب معاناته من ارتفاع ضغط الدم المزمن، وبحثه عن اسم وليد سرحان على محرك البحث غوغل، من أجل معرفة مكان عيادته، غير أن عدة صفحات تحمل اسمه ظهرت في نتائج البحث، إحداها على "فيسبوك"، والتي راسلها من أجل مراجعة الطبيب، وادعى من رد عليه أنه من فريق العمل، وأن عليه أن يكتب الأعراض التي يعاني منها، وسيتولى الفريق توصيل الدواء، دون الحاجة إلى قطع مسافة 360 كيلومتراً من بغداد إلى أربيل، مضيفاً: "ترددت في الذهاب إلى العيادة بسبب صعوبة ترك عملي لعدة أيام، وعدم قدرتي على تحمل عناء السفر إلى أربيل في ظل معاناتي من المرض".
آلاف المتابعين للصفحات الوهمية
وفي هذا الصدد، تم رصد عشر صفحات على موقع فيسبوك، تنتحل صفة الدكتور سرحان الذي قدم من السويد إلى أربيل بعد اتساع شهرته، ومن هذه الحسابات المزيفة "الدكتور وليد سرحان - استشاري أمراض القلب والشرايين"، والذي يتابعه 23 ألف شخص، وصفحة "الدكتور/وليد سرحان"، يتابعها 11 ألف متابع، وصفحة "الدكتور وليد سرحان" التي يتابعها 19 ألف متابع.
وتنشر تلك الصفحات إعلانات لأدوية وعلاجات يتفاعل معها المتابعون ومن بينها إعلان منشور في 25 مايو/ أيار 2024، كانت صيغته "استعمله قبل النوم وستختفي آلام التهاب المفاصل والركبة والظهر خلال أيام"، دون كتابة نوع الدواء، طالباً التواصل على الخاص لمعرفة المنتج الدوائي، وعلى الرغم من ذلك الغموض سقط خمسة مرضى في فخ تلك الصفحات وانتهى بهم المطاف إلى زيارته ومن بينهم حامد حسين الطائي، الذي كان يقف أمام باب العيادة بمعية نجله ومعه والده، بعد الاحتيال عليه وشرائه علاجات وهمية (خلطة عشبية) لا يعرف أحد ما هي مكوناتها ولا مخاطرها.
ويضيف الطائي الذي يعيش في محافظة صلاح الدين: "أردنا حجز موعد في عيادة الدكتور سرحان، فبحثنا عن صفحة على "فيسبوك" باسم "وليد سرحان طبيب جراحة القلب"، وأرسلت عبر "ماسنجر" وطلب أحدهم مني المجيء إلى أربيل التي تبعد 250 كيلومتراً عن محافظة صلاح الدين، وبعد الاتصال به من أجل تحديد موعد زيارة العيادة ومعرفة مكانها بالضبط، قال إن بإمكانه إيصال الدواء دون الحاجة لمقابلة الدكتور، لكن بعد إصراري على مقابلته من أجل تشخيص دقيق لحالة والدي جرى إغلاق الهاتف".
وبسبب تكرار تلك الحالات وضع الدكتور سرحان لافتة في عيادته يقول فيها "لا أبيع ولا أروج أي شيء"، مؤكدا أن "صفحات كثيرة تروج أدوية وعلاجات وهمية باسمي، وليست لي صلة بها، بهدف الاحتيال على المواطنين، وهو ما أدى إلى تضرر سمعتي، حيث بات المراجعون يخشون أن تكون لي صلة بالأمر من أجل بيع وترويج تلك الأدوية".
متى وكيف تفاقمت الظاهرة؟
تكرر انتحال صفة الأطباء على "فيسبوك" مع الدكتور فلاح العزاوي، كما تروي الصيدلانية زينب نزار، والتي تعمل في صيدلية طوق الياسمين في حي الشهداء سيف سعد بمدينة كربلاء، وتضيف دفعني الفضول لدى تسلم وصفة طبية مطبوعة إلى سؤال صاحبها عن اسم الطبيب، لأن الوصفات التي تصلها تكون مكتوبة بخط اليد في الغالب، ليخبرها أنه حصل عليها بعد تواصله مع صفحة على "فيسبوك" باسم الدكتور فلاح العزاوي، فأخبرته بأنه تعرض للاحتيال، وأظهرت له الصفحة الرسمية للطبيب المتخصص في أمراض القلب، وقالت له إنه لا يتعامل مع مرضاه بطريقة إلكترونية، لأن التشخيص السريري هو ما يميز هذا الطبيب المعروف.
وبدأ الصيادلة بالعراق يلاحظون انتحال صفة الأطباء على مواقع التواصل الاجتماعي، مع إجراءات الحجر الصحي لمنع انتشار فيروس كورونا، وفق نزار، والتي قالت إن هذه الصفحات لا تروج فقط علاجات وهمية، بل تدخل على خط بيع مستحضرات التجميل وأدوية إنقاص الوزن والتي تلقى رواجاً بين الباحثين عن الأسعار المخفضة، وتضيف أن عدم تشخيص حالة المريض بدقة وتعاطيه دواء لا يعرف مكوناته قد يؤديان في بعض الحالات إلى الإصابة بأمراض أخطر أو حتى الوفاة.
علاجات وهمية أو منتهية
ولم يتوقف الأمر هنا والحديث للدكتور سلمان داود، أخصائي الأطفال حديثي الولادة، في مستشفى الطفل المركزي التعليمي في بغداد، إذ توصل إلى وجود شبكة عبر صفحة على "فيسبوك" باسم "أطباء العراق أون لاين"، تروج أن لديها كوادر طبية جاهزة لتقديم الاستشارة والوصفات الطبية لمختلف أنواع الأمراض، مضيفاً: "تضم الشبكة موظفات لا يحملن أي شهادة تؤهلهن لوصف العلاجات والتعامل مع المراجعين والمرضى، ينتحلن صفة طبيبات واختصاصيات، ويقمن بالرد على الرسائل، باختصاصات مختلفة ومنها النسائية، حيث يستمعن لمن لديهن مشاكل في الحمل والإنجاب، ليتم التشخيص وتقديم وصفة إلكترونية".
تلقت الشابة الحاصلة على بكالوريوس إدارة واقتصاد، زهراء البياتي، عرضاً من حساب على "فيسبوك"، للعمل من المنزل في الرد على رسائل المراجعين، الذين يستفسرون عن أدوية معينة متاحة لدى صفحة تقدم استشارات طبية، كما تقول، مضيفة أن المسؤولين عن الصفحة طلبوا منها التحدث بصفتها طبيبة مختصة والترويج لدواء باسم العسل الأسترالي، قالوا إنه عالج العديد من الأمراض وإن عليها إقناع من يسألون عنه به لشرائه، على أن تحصل على نسبة مالية من المبيعات.
وساهمت الخوارزميات وتحديثاتها المستمرة وعدم القدرة على متابعتها والتفاعل معها في ارتفاع حالات الاحتيال على المواطنين، حسبما يقول المهندس محمد جاسم، المتخصص في علوم الحاسوب، مضيفاً: "في حال البحث عن اسم طبيب معين تبدأ الخوارزميات بإظهار جميع الصفحات الخاصة بالاسم نفسه والقريبة منه، وعقب الدخول إليها تصلك رسائل مباشرة، تستفسر عن طلبك وكيف يستطيعون تقديم خدماتهم لك.
ويتطلب الأمر متابعة كل الصفحات التي تنتحل صفات الأشخاص بين الحين والآخر وإغلاقها من خلال الإبلاغ عنها، كما يقول جاسم الذي يعمل في شركة خاصة بالعراق، مشيراً إلى أن صاحب أي محتوى أو طبيب مشهور وغيرهم، عليهم توثيق حساباتهم، وتكذيب أي صفحة تدعي أنها على صلة بهم، من خلال تكليف مختصين في هذا المجال، يتواصلون مع مكاتب شركة ميتا المالكة لموقع فيسبوك من أجل إغلاق أي صفحة غير موثقة تنتحل أسماءهم وصفتهم.
عجز أمني عن تتبع المنتحلين
لكن الدكتور هادي الشمري، عضو نقابة أطباء العراق، يقول إن النقابة لا تمتلك أي سلطة يتيح لها متابعة الصفحات التي تنتحل صفة الأطباء، مضيفاً: "هذا الأمر من مسؤولية السلطات الأمنية والجهات ذات العلاقة في وزارة الداخلية"، غير أن السلطات الأمنية تطالب بأسماء المنتحلين في حال التقدم بشكوى، كما يقول الدكتور سرحان والذي قدم بلاغاً إلى مديرية الأمن الوطني، مضيفاً: "طلبوا مني شكوى تتضمن أسماء معروفة حتى تتمكن من الوصول إليهم، بالطبع لا يمكنني التوصل إليهم".