عاد جدل سعر النفط في الموازنة إلى الواجهة مجددا، ففي ظل الظروف السياسية الإقليمية وعدم ارتفاع الأسعار العالمية لمستويات قياسية، كشف مستشار حكومي أن سعر النفط سيبقى في موازنة العام المقبل عند 70 دولارا للبرميل، وهو ما أثار مخاوف خبراء النفط والاقتصاد، لاسيما وأن العراق يبيع نفطه بسعر أقل من العالمي.
وفيما أكد خبراء أن التوقعات بشأن الأسعار غير واضحة، وأنها يمكن أن تنخفض في حال عدم حدوث تصعيد كبير بعد الضربة الإسرائيلية لإيران، أشاروا إلى أن سعره سيبقى يتراوح بين 70- 80 دولارا للبرميل، إلا في حال ردت طهران واستخدمت المضايق البحرية، وهو أمر سيرفع الأسعار بشكل كبير وسريع.
ويقول الخبير النفطي كوفند شيرواني، إن "الضربة الصهيونية على إيران كشفت بوضوح وجود اتفاق بين الدول العظمى على عدم استهداف المنشآت النفطية، وهذا يعني أنها في مأمن عما يحصل من نزاعات متبادلة في المنطقة، وهو ما يجعل سوق الطاقة مستقرا ولن يتدهور كما قالت بعض السيناريوهات المتشائمة".
ويتوقع شيرواني، "انخفاض أسعار النفط قليلا في الفترة المقبلة، على الرغم من وجود عوامل جيوسياسية ما تزال تلعب دورها، بالإضافة إلى ظروف المستهلكين الكبار مثل الصين وأمريكا التي قد تحافظ على سعر خام البرنت عند 75 دولارا أو أكثر بقليل"، لافتا إلى أن "أسعار الخام العراقي دائما ما يباع بأقل من سعر البرنت بـ3 دولارات تقريبا، وهذا يعني أن أسعاره ستظل مرتفعة وبأعلى من 70 دولارا، ما لن يخلق أية إشكاليات في الموازنة العام، ولكن في حال انخفاضه عن هذا الرقم فإن ذلك سوف سيؤدي إلى زيادة العجز المالي".
وكان مستشار رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية، مظهر محمد صالح، قد أكد يوم أمس، أن الموازنة الثلاثية قدرت سعر برميل النفط بـ70 دولارا، وأن متوسط سعر برميل النفط في عام 2023 كان 84 دولارا، فيما يبلغ حاليا 74 دولارا في العام الحالي، مؤكدا على أن النفط سيبقى ثابتا في الموازنة المقبلة عند 70 دولارا.
وبلغت أسعار خام برنت مساء يوم أمس، 74 دولارا، وهو السعر المستقر عليه منذ أيام، بعد أن ارتفعت عقب اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله، وتوجيه ضربة إيرانية لإسرائيل، مطلع الشهر الحالي، إلى نحو 80 دولارا للبرميل، بعد أن كانت أسعاره خلال الفترة التي سبقت هذه الأحداث، بحدود 65 دولارا، وقد سرت تحذيرات من انخفاضه ما يؤثر على موازنة العراق.
من جانبه، يبين الخبير الاقتصادي ضياء المحسن، أن "العراق بلد ريعي يعتمد في تمويل نفقاته العامة على الإيرادات النفطية كما هو معلوم، والتي تشكل أكثر من 90 بالمئة من إجمالي الإيرادات العامة، ومع هذا فإن الموازنة العامة تعاني من عجز كبير يتجاوز الـ40 مليار دولار سنويا، وهذا يمثل أكثر من 20 بالمئة من الموازنة".
ويشدد المحسن، أن "على الحكومات المتعاقبة التفكير جديا في تنويع إيراداتها، وعدم الاعتماد كليا في تمويل الموازنة على النفط، أضف إلى ذلك فإن النفقات العامة في أغلبها هي نفقات تشغيلية بينما نجد النفقات الاستثمارية متواضعة قياسا بالنفقات التشغيلية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن العجز يتم تغطيته من خلال عدم تنفيذ أغلب المشاريع الاستثمارية وهو الأمر الذي يعرض الاقتصاد الوطني لصدمات عنيفة".
ويعتمد العراق بشكل كلي على الإيرادات النفطية، بالرغم من وجود بنود في الموازنات الاتحادية تتمثل بتعزيز الإيرادات غير النفطية، مثل المنافذ الحدودية والجباية، لكن جميعها لم تفعل بشكل صحيح، وبقيت إيراداتها قليلة، ولا تشكل نسبة يعتد بها.
يذكر أن قرارات أوبك+، تتجه منذ أكثر من عامين نحو خفض الإنتاج، وفي حزيران يونيو الماضي، تم الاتفاق على تمديد تخفيضات الإنتاج بمقدار 3.66 ملايين برميل يوميا حتى نهاية 2025، مع إعادة 2.2 مليوني برميل يوميا أخرى من التخفيضات الطوعية تدريجيا ابتداء من تشرين الأول أكتوبر من هذا العام.
إلى ذلك، يبين الخبير في الطاقة رمضان حمزة، أن "هذا الوضع غير مستقر، ولا يطمئن خاصة وانه في حال ردت إيران على الهجوم الاسرائيلي، كما أننا نقترب من موسم الشتاء الذي يكون فيه طلبا متصاعدا على النفط، وهذا ما يعزز أسعاره في الأسواق العالمية، ولكن في حال لم يحصل تطور بالمنطقة فستحافظ أسعار النفط على هذا الاستقرار الحالي".
ويضيف حمزة، أن "مشكلة العراق هي الاستراتيجية المتبعة من قبل وزارة النفط، فهي غير مجزية لا بالإنتاج ولا حتى بتطوير الحقول النفطية، ولا يزال العراق ضعيفا في وضعه الاستراتيجي"، مبينا أن "الأسعار ستبقى متذبذبة بين الـ70- 80 دولارا للبرميل، خاصة في ظل الاستقرار السياسي، وعدم رد إيران، ولكنها في حال ردت، فسنكون أمام تداعيات كبرى قد يكون من بينها إغلاق المضايق البحرية، الأمر الذي سيؤثر بشكل كبير على الأسعار".
ويصدّر العراق، وهو ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، نحو 85 بالمئة من نفطه الخام عبر موانئ في جنوب البلاد، لكن الطريق الشمالي عبر تركيا ما يزال يمثل نحو 0.5 بالمئة من إمدادات النفط العالمية.
يشار إلى أن موازنة العراق لهذا العام تجاوزت الـ226 ترليون دينار، بعد إقرارها من قبل البرلمان، وهي أعلى من موازنة العام الماضي البالغة 198 ترليون دينار.