المخدرات في العراق.. سموم تفتك بالمجتمع ومعركة بلا خطوط هدنة

اليوم, 12:43
25

لم تعد المخدرات في العراق ظاهرة هامشية، بل تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى تحدٍ وطني معقّد، يهدد الأمن المجتمعي والصحي، ويستنزف طاقات الشباب في مرحلة يسعى فيها البلد إلى التعافي من إرث الحروب والأزمات. 

فقصص الإدمان لم تعد حبيسة الأزقة الفقيرة، بل تمتد إلى مختلف البيئات الاجتماعية، مخلفة ضحايا من الشباب وعائلات مفككة وجرائم مرتبطة بتجارة السموم.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

ويروي أحد المتعافين تجربته قائلاً إن البداية كانت “جرعة هروب” من ضغوط الحياة، سرعان ما تحولت إلى فقدان للسيطرة على الجسد والعقل، قبل أن يتخذ قرار العلاج داخل أحد المراكز المتخصصة، حيث بدأ رحلة تعافٍ شاقة أعادته تدريجياً إلى حياته الطبيعية.


الأسرة في المواجهة الأولى

تلعب الأسرة دور خط الدفاع الأول في اكتشاف الإدمان، إلا أن نقص الوعي أو الخوف من الوصمة الاجتماعية يؤدي أحياناً إلى تأخر التدخل. 

ويؤكد الباحث الاجتماعي ولي الخفاجي أن انتشار المخدرات توسّع بعد مرحلة ما بعد الإرهاب، مستفيداً من الفراغ والبطالة والفقر وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي، مشدداً على ضرورة مراقبة الأبناء والانتباه إلى مؤشرات التعاطي المبكرة، إلى جانب تفعيل دور المدرسة والإعلام والمنابر الدينية في الوقاية.


ضربات أمنية واسعة

في المقابل، كثفت وزارة الداخلية عملياتها، معلنة ضبط أكثر من 14 طناً من المخدرات منذ عام 2023، وتفكيك أكثر من 1,200 شبكة محلية ودولية، مع صدور آلاف الأحكام القضائية بحق المتورطين. 

وأكدت الوزارة أن جهودها شملت التعاون الإقليمي والدولي، إضافة إلى التوسع في برامج العلاج والتأهيل، حيث افتُتحت 16 مصحة بطاقة استيعابية تجاوزت 4,700 مريض، وبلغ عدد المتعافين أكثر من 6,000 شخص.


حراك حكومي وتشريعي

الحكومة بدورها وضعت الملف ضمن أولوياتها، عبر اعتماد الاستراتيجية الوطنية لمكافحة المخدرات (2023 – 2025)، وتعديل التشريعات، وافتتاح مصحات قسرية، إلى جانب تنظيم مؤتمرات دولية وتوقيع مذكرات تفاهم لتعزيز التعاون الأمني.


جدل القانون والعلاج

قانونياً، يرى مختصون أن تخفيف عقوبة التعاطي في قانون 2017 أضعف الردع، داعين إلى تعديل متوازن يجمع بين العقوبة والعلاج، خاصة مع تحوّل العراق إلى سوق نشطة للمخدرات. 

ويؤكد خبراء أن المواجهة الحقيقية لا تقتصر على الأمن، بل تشمل التعليم والتوعية والوقاية المبكرة.


العلاج… أمل الاستعادة

وتشير المؤسسات الصحية إلى أن برامج العلاج، سواء بالإقامة الكاملة أو المتابعة الخارجية، تحقق نسب تعافٍ تصل إلى 80%، عند التزام المريض والمتابعة الأسرية، بما يعيد دمج المتعافين في المجتمع ويمنحهم فرصة جديدة للحياة.

في المحصلة، تبقى معركة المخدرات في العراق مفتوحة الجبهات، تتطلب تكاملاً بين الأمن والقانون والأسرة والمجتمع، في حرب طويلة هدفها حماية الإنسان قبل معاقبته، وتجفيف منابع السموم قبل أن تفتك بالمستقبل.