الأزمة تتفاقم.. أحلام السكن في العراق تبحث عن "معجزة" وسط تعثر الحلول الحكومية

أمس, 12:23
969

في بلد تتجاوز فيه نسبة الفقر 25%، وتستمر فيه الوعود الحكومية بلا تنفيذ، يتحوّل السكن في العراق من حق دستوري إلى حلم بعيد المنال. فمنذ سنوات، يتفاقم العجز في الوحدات السكنية، وتتزايد الأسعار بوتيرة تعصف بأحلام محدودي الدخل، بينما تتكدس المشاريع المتعثرة على رفوف النسيان ويغيب التخطيط الواقعي، يتمدد نفوذ المستثمرين، لتصبح الأرض سلعة، والبيت استثماراً لا مأوى.

 

يصطدم الكثير من العراقيين وخاصة من الطبقتين المتوسطة والفقيرة بعراقيل وعقبات في سبيل الحصول على عقار سكني جراء الأسعار الباهظة، ورغم ما يتم إنشاءه من مدن ومجمعات سكنية في عموم المحافظات، لكن ما تزال الأسعار لا تتناسب مع قدرة الأغلبية الواسعة من السكان.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

ويحتاج العراق إلى إنشاء من 3 إلى 3.5 ملايين وحدة سكنية للحد من الأزمة المزمنة في هذا القطاع، وفي محاولة لتقليص الفجوة باشرت الحكومة بإنشاء 52 مدينة سكنية في المحافظات الوسطى والجنوبية، إلى جانب مجمعات سكنية وقروض متنوعة لبناء وترميم وشراء الوحدات السكنية، في حلول وصفت بـ"الجذرية" لحل "المعضلة" التي تؤرق الملايين في البلاد.

 

ويبرز الجدل مجدداً بشأن الآليات المثلى لمعالجة هذه أزمة السكن المتفاقمة، وسط تباين في وجهات النظر بين من يرى ضرورة تعزيز دور القطاع الخاص في المشاريع الإسكانية، ومن يدعو إلى تفعيل شركات القطاع العام والاستفادة من طاقاتها وخبراتها المتراكمة، وبين هذا وذاك، تؤكد الجهات الرسمية في الحكومة والبرلمان على أهمية التوازن بين العرض والطلب، وضرورة ضبط الأداء الاستثماري والرقابي بما يضمن توفير وحدات سكنية ملائمة وبأسعار معقولة للفئات محدودة الدخل.

 

عرض وطلب

 

ويرى نائب رئيس لجنة التنمية والاستثمار النيابية، حسين السعبري، ملف ارتفاع الأسعار في السوق يرتبط بشكل مباشر بآليات "العرض والطلب"، مشدداً على أن "وفرة المعروض هي العامل الحاسم في خفض الأسعار وتحقيق التوازن المطلوب".

 

وقال السعبري، إن "ارتفاع أسعار العقارات ليس معضلة منفصلة عن الواقع الاقتصادي، بل هو نتيجة لعدم كفاية المعروض مقارنة بحجم الطلب. والحل يكمن في زيادة المشاريع وتوسيع قاعدة العرض، فكلما زاد عدد الوحدات السكنية المعروضة، انخفضت الأسعار بشكل طبيعي دون الحاجة لتدخلات مباشرة".

 

وأضاف، أنه "من الضروري أن تلتزم الجهات المختصة بدورها الرقابي والتنظيمي، من خلال إلزام المستثمرين بالتفاصيل الواردة في الجداول الاقتصادية التي يقدّمونها ضمن ملفاتهم الاستثمارية، حيث تتضمن هذه الجداول الأسعار التقديرية للمشاريع، ويجب أن تكون ملزمة لضمان عدم تلاعب المستثمر أو تجاوز الحدود المحددة سلفاً".

 

وعبّر السعبري، عن رفضه لمقترح إشراك القطاع العام في مشاريع الإسكان، موضحاً أن "التجربة السابقة في هذا الإطار لم تكن ناجحة، حيث دخل سابقاً كشريك في تنفيذ عدد من المجمعات السكنية، إلا أن أغلب هذه المشاريع لم تصل  إلى مراحل الإنجاز المأمولة، وتعرضت للتوقف والتعثر، ما أدى  إلى الدخول في تسويات مالية وقانونية لاحقة".

 

وأشار  إلى أن "عدداً من تلك المشاريع بات مهدداً بالاندثار نتيجة سوء الإدارة وعدم توفر الموارد الكافية، ما شكّل عبئاً مالياً وخسارة حقيقية للقطاع العام".

 

وبيّن، أن "الدولة اتجهت بالفعل  إلى خصخصة بعض هذه الشركات، وهذا يعكس عدم جدوى إشراكها في مشاريع جديدة ذات طابع استثماري تحتاج  إلى كفاءة وسرعة في التنفيذ".

 

وأوضح: "لا أؤيد مطلقاً إشراك شركات القطاع العام في المشاريع السكنية الجديدة، لأنها أثبتت عدم قدرتها على المنافسة، وأي عودة لتلك التجارب تعني تكرار الفشل، وإهدار المال العام بدلاً من توجيهه نحو استثمارات منتجة وناجحة".

 

إصلاحات تشريعية

 

عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية علاء سكر، أوضح أن "الإصلاحات التشريعية في القطاع السكني والخدمي تمثل ركيزة أساسية في مسار التنمية المستدامة"، مبيناً أن "مجلس النواب يسعى  إلى إقرار تشريعات شاملة تواكب تطلعات المواطنين وتلبي احتياجاتهم المتزايدة في مجالي الإسكان والخدمات العامة".

 

وتابع، أن "دعم القوانين الخدمية يهدف إلى تطوير البنية التحتية وتعزيز كفاءة الخدمات الأساسية ومنها  المياه، الكهرباء، النقل، الصحة، والتعليم، بما يضمن توفيرها للمواطنين بجودة عالية واستدامة طويلة الأمد."

 

وبيّن سكر، أن "خطوات رئيس الوزراء محمد شياع السوداني واضحة في إصلاح قطاع الخدمات العامة من خلال تحديث الأنظمة الإدارية وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي لضمان وصول الدعم  إلى الفئات المستحقة، وتعزيز الشفافية في إدارة الموارد العامة، وذلك عبر آليات رقابية صارمة لمكافحة الفساد الإداري وضبط الأداء الحكومي وتوسيع الاستثمارات في قطاع الخدمات".

 

وأكد، أن "الحكومة تسعى  إلى تحديث التشريعات الخدمية والصحية والتعليمية، وضمان جودة الرعاية الصحية وتطوير المناهج التعليمية بما يتماشى مع التطورات العالمية".

 

وفي ما يخص القطاع السكني، أكد سكر، أن "مجلس النواب يدعم قطاع الإسكان، من خلال سن قوانين تحفز إنشاء وحدات سكنية ميسّرة لذوي الدخل المحدود، مع توفير التسهيلات المالية اللازمة وضبط الأسعار، عبر تشريعات وقوانين  تضمن استقرار السوق لصالح المواطنين، إضافة  إلى تحفيز التنمية العمرانية المتوازنة، من خلال إنشاء مدن ومناطق سكنية جديدة مزودة بكافة الخدمات الأساسية، بما يخفف الضغط عن المناطق المكتظة بالسكان".

 

وأشار إلى، أن "المجلس يدعم القوانين الخدمية والإصلاحات السكنية لأنهما يمثلان أولوية قصوى في عمله ومن ضمن اولوياته"، مشدداً على "ضرورة تضافر الجهود بين مختلف الجهات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني لتحقيق نهضة خدمية وعمرانية تلبي تطلعات المواطنين، وترتقي بمستوى معيشتهم وفق رؤية وطنية متكاملة."

 

الدخل المحدود

 

وفي خطوة تهدف إلى معالجة أزمة السكن المتفاقمة في العاصمة، كشفت الأمين العام لمجلس محافظة بغداد، سندس نصيف، عن إطلاق مجموعة من المشاريع الإسكانية التي تستهدف الفئات ذات الدخل المحدود، وذلك ضمن ستراتيجية شاملة وضعتها الحكومة المحلية لتوسيع قاعدة التملك السكني وتوفير وحدات سكنية مناسبة للمواطنين.

 

وبيّنت، أن "المحافظة تعمل على تنفيذ ثلاثة مشاريع إسكانية رئيسية، تتوزع في مناطق مختلفة من بغداد، حيث يجري العمل على مشاريع سكنية إضافة  إلى مشروع خاص يُعدُّ من أبرز المبادرات التي تسعى  إلى دعم شريحة واسعة من المواطنين غير القادرين على توفير سكن ملائم".

 

ولفتت  إلى، أنه "من المتوقع أن يشهد أحد المشاريع توزيعاً فعلياً للوحدات السكنية خلال شهر تموز المقبل"، مشيرة  إلى أن "هناك تحضيرات إدارية ولوجستية جارية لتحديد المستحقين وآلية التوزيع".

 

وأشارت، إلى "توجّه جاد من قبل مجلس المحافظة نحو تعظيم موارد بغداد المالية، من خلال الدخول في شراكات ستراتيجية مع القطاع الخاص"، مبينة أن "هناك مقترحاً قيد الدراسة في المجلس يقضي بمشاركة المحافظة بشكل مباشر في إنشاء مشاريع سكنية واطئة الكلفة بالتعاون مع الشركات الاستثمارية المحلية والأجنبية، على أن تكون هذه المشاريع خاضعة لضوابط تضمن وصول الوحدات   إلى المستحقين فعلياً من ذوي الدخل المحدود".

 

وفي إطار تطوير المنظومة السكنية، كشفت نصيف عن "مشروع وطني طموح تعمل عليه محافظة بغداد بالتنسيق مع رئيس الوزراء بشكل مباشر، يتعلق بـ(المطور العقاري). ويقضي هذا المشروع بحصر جميع الأراضي العائدة  إلى البلديات والمسجّلة باسم وزارة المالية، وإعادة تخصيصها ضمن آلية واضحة لتُسجل باسم البلديات وتُدخل في مشاريع استثمارية سكنية كبرى"، وبيّنت أن "الغاية من المشروع هي توزيع تلك الأراضي لاحقاً على موظفي الدولة ضمن برنامج إسكان شامل وعادل".

 

وأكدت، أن "هذا التوجه يحظى بدعم مباشر من محافظ بغداد، الذي يُشكر على جهوده في المتابعة الحثيثة وتأمين التمويل اللازم"، مشيرة  إلى أن "المحافظة، ورغم الضائقة المالية، نجحت في استحصال أموال كافية لضمان عدم توقف المشاريع الخدمية والتنموية".

 

وشددت نصيف، على أن "بغداد تشهد حالياً نهضة عمرانية وخدمية واسعة تشمل مشاريع سكنية، مستشفيات، مدارس، وتأهيل مداخل العاصمة"، مشيرة إلى أن "هذه الجهود تندرج ضمن الرؤية العامة لتحويل بغداد  إلى مدينة حديثة قادرة على تلبية طموحات سكانها".

 

وأكدت، أن "بغداد بدأت تتغير، ونلمس ذلك حين نراها ليلاً أكثر إشراقاً، وأكثر جمالاً. المستقبل واعد، ونحن مستمرون بخدمة المواطنين".

 

إشراك القطاع العام

 

من ناحيته، بيّن الخبير الاقتصادي الدكتور صفوان قصي، أن "لدى الدولة العراقية فرصة حقيقية لتفعيل الطاقات الحكومية من خلال إشراك شركات المقاولات العامة التابعة لوزارة الإعمار والإسكان في مشاريع السكن"، مشدداً على أن "هذه الشركات تمتلك من الخبرة والإمكانيات ما يؤهلها للدخول في عالم المنافسة بقوة، وخاصة في مجال إنشاء مجمعات سكنية تخصصية على مستوى المدن".

 

وأوضح، أن "ما يميز هذه الشركات هو تراكم خبراتها في تنفيذ المشاريع الكبرى،  إلى جانب امتلاكها للبنى التحتية الإدارية والفنية، ما يجعلها شريكاً موثوقاً في تنفيذ المشاريع السكنية الكبرى وفق المواصفات العالمية".

 

وبيّن قصي، أن "العاصمة بغداد تمثل نموذجاً صارخاً للحاجة الملحة إلى مجمعات سكنية تخصصية ومخططة بشكل علمي، نظراً للزيادة الكبيرة في الكثافة السكانية، وافتقار العديد من المناطق  إلى الخدمات الأساسية".