أزمة ثقة ونقدية خانقة.. العراق على مفترق طرق لإصلاح نظامه المصرفي قبل الانهيار
مليارات للكيان.. ومجاعة في غزة: مصر توقع صفقة الغاز الأضخم في تاريخها مع تل أبيب
الذكاء الاصطناعي يقتحم سوق العمل العراقي.. فرص رقمية تهدد ملايين الوظائف التقليدية
لبنان على صفيح ساخن.. الحزب بين الشروط الامريكية والمواقف الحكومية: رفض قاطع لشروط مبعوث ترامب
من هتافات الإصلاح إلى صمت المقاعد.. كيف فقد المدنيون بوصلتهم؟
لم يعد الذكاء الاصطناعي مفهوما مستقبلياً أو رفاهية تقنية في العراق، بل أصبح واقعاً يتغلغل في تفاصيل الحياة المهنية اليومية، فارضاً نفسه كلاعب جديد يعيد تشكيل خريطة العمل والمهارات والفرص. وبينما ينظر إليه كرافعة محتملة للتنمية الرقمية، يُثير في الوقت ذاته مخاوف حقيقية لدى العاملين في قطاعات عديدة، من التصميم الجرافيكي إلى الترجمة، مروراً بالإعلام والتعليم.
وقال حسين: "بصفتي أعمل في التصميم منذ أكثر من سبع سنوات، ألاحظ كيف بدأت الشركات تعتمد على أدوات الذكاء الاصطناعي لتوليد تصاميم بسرعة كبيرة وبتكلفة أقل، مما أدى إلى تقليص دور المصممين البشر أو حتى الاستغناء عنهم في بعض الحالات."
ورغم إقراره بقدرة الذكاء الاصطناعي على تنفيذ مهام تصميمية معينة بكفاءة، شدد حسين على أن الجانب الإبداعي لا يزال ميزة حصرية للعقل البشري.
وأضاف: "التصميم ليس مجرد أداة لإنتاج صور جذابة، بل هو وسيلة للتعبير، تتطلب فهماً عميقاً للسياق الثقافي، والهدف من الرسالة، وطبيعة الجمهور. هذه أبعاد لا يمكن لآلة أن تستوعبها كما يفعل الإنسان"، ولفت إلى أن "الذكاء الاصطناعي في الغالب يولد تصاميم متشابهة بعيدة عن التميز والابتكار".
وأشار إلى أن الذكاء الاصطناعي، برغم تطوره، لا يزال بحاجة إلى التدريب والتوجيه من قبل البشر، كما ان من يعمل به يحتاج الى تدريب ايضاً، موضحاً أن هذه الأنظمة تتعلم من البيانات الموجودة، وتعيد إنتاجها ضمن قوالب محددة، "ما يجعلها تفتقر إلى عنصر الابتكار الحقيقي".
ويؤكد المختص في الذكاء الاصطناعي، عثمان عباس، أن "التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي يلعبان دوراً متزايداً في تشكيل مستقبل سوق العمل في العراق، إذ يخلقان تحديات وفرص جديدة على حد سواء".
حيث يشير إلى ان "الاعتماد المتزايد على الأتمتة والرقمنة أدى إلى تراجع بعض الوظائف التقليدية في العراق، وخاصة في القطاعات الصناعية، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض هذه الوظائف بنسبة تصل إلى 25% منذ عام 2020. هذا الانحسار لا يعني توقف سوق العمل، بل يشير إلى تحول نوعي في طبيعة الوظائف المطلوبة".
ويضيف عباس، أن "الحاجة إلى المهارات الرقمية شهدت ارتفاعاً ملموساً، إذ ارتفع الطلب على الكفاءات الرقمية بنسبة تصل إلى 40%. وهذا يعكس تحول سوق العمل نحو وظائف أكثر تعقيداً تعتمدا بشكل كبير على تقنيات حديثة مثل تحليل البيانات، تطوير الخوارزميات، والأمن السيبراني".
ويتابع :"في هذا الإطار، يفتح الذكاء الاصطناعي آفاق جديدة أمام الباحثين عن عمل، ويساهم في رفع كفاءة القطاعات الحيوية كالنفط والصحة والزراعة من خلال قدراته على التنبؤ والتحليل الذكي".
كما يشير عباس إلى أن "الذكاء الاصطناعي يحفز ريادة الأعمال بين الشباب العراقي، حيث أصبح يمثل منصة لانطلاق مشاريع تقنية مبتكرة، خاصة في مجالات التجارة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني، مما يوسع دائرة الفرص الوظيفية ويعزز الاقتصاد الرقم".
ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر هو الحاجة إلى تطوير مهارات العمال العراقيين. فالقوى العاملة تعاني من فجوة واضحة في المهارات الرقمية، حيث تبين أن 64% من العراقيين يفتقرون للثقة بأن النظام التعليمي الحالي يزودهم بالمهارات اللازمة لسوق العمل الرقمي. لذلك، أصبح من الضروري أن يتعلم العاملون المهارات التقنية الحديثة ليستطيعوا مواكبة التطورات والتنافس بفعالية في الأسواق المحلية والإقليمية. وفقا لعباس.
ويبين ان "اللجنة العليا للذكاء الاصطناعي في العراق تسعى إلى دمج موضوعات الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية، مع وجود مبادرات تدريبية متعددة تشمل النوادي التعليمية ومعسكرات تدريب الخريجين، كما تحظى الشركات الناشئة بمجالات التكنولوجيا بدعم متزايد بهدف تعزيز ريادة الأعمال وتمكين الشباب من المشاركة في الثورة الرقمية".
واستدرك قائلاً، إن "التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي يعيدان تشكيل ملامح سوق العمل العراقي. رغم تقلص بعض الوظائف التقليدية، تظهر فرص جديدة تتطلب مواكبة مستمرة من خلال تطوير مهارات حديثة تؤهل القوى العاملة العراقية لمواجهة تحديات المستقبل بثقة وكفاءة".
دعوات لإصلاح تشريعي وتأهيلي
من جانبه، ذكر المختص في الأمن السيبراني، مصطفى الموسوي، أن الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تطور تقني عابر، بل أصبح منظومة متكاملة تفرض حضورها بقوة في مختلف مناحي الحياة اليومية وميادين العمل.
وأوضح الموسوي ، أن هذه التكنولوجيا دخلت بعمق في قطاعات متنوعة مثل التعليم، الطب، البرمجة، والصحافة، حيث باتت جزءاً أساسياً من العمليات اليومية.
وأشار الموسوي إلى أن "الذكاء الاصطناعي تجاوز وظيفته التقليدية كأداة لتنفيذ المهام، ليصبح نظام متطور يتفاعل مع محيطه، يتعلم من البيانات، بل ويساهم في عمليات اتخاذ القرار أو دعمها"، واعتبر أن هذه القدرات تمنحه تأثيراً ملموساً على الكفاءة والإنتاجية، لا سيما في بيئات العمل التي تسعى لتقليل الأخطاء وتسريع الإنجاز.
ويرى الموسوي أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة كبيرة لتطوير الأداء المؤسسي، وتمكين رواد الأعمال وأصحاب المشاريع الصغيرة من المنافسة في أسواق تسيطر عليها شركات عملاقة.
ويضيف: "الأدوات الذكية أصبحت متاحة للجميع، ما يتيح فرصاً حقيقية لإنشاء وظائف جديدة في مجالات مثل تطوير الأنظمة الذكية وصيانتها".
وبين أن العراق بدأ يشهد تحولا رقمياً واضح منذ مطلع عام الحالي، حيث بدأت المؤسسات والأفراد على حد سواء في تبني أدوات الذكاء الاصطناعي في مجالات العمل والدراسة.
وقد ظهرت آثار هذا التحول بوضوح في بعض القطاعات، مثل خدمات الترجمة، إذ كشفت دراسات محلية عن تراجع الطلب في مكاتب الترجمة ببغداد وأربيل والبصرة بنسبة تجاوزت 35% خلال عام واحد، في حين تأثر نحو 20% من العاملين في هذا القطاع بشكل مباشر.
كما أشار الموسوي إلى نتائج مسح وطني أظهرت أن أقل من 20% من موظفي القطاع العام في العراق يمتلكون مهارات رقمية متوسطة أو متقدمة، مما يجعلهم أكثر عرضة للإقصاء المهني إذا تسارعت وتيرة التحول الرقمي.
ولفت الى أن الذكاء الاصطناعي بدأ ينافس بوضوح العاملين في مجالات الإبداع مثل تصميم الجرافيك، كتابة المحتوى، الترجمة، وصناعة الفيديو. وأشار إلى أن اغلب العاملين في هذه المهن داخل العراق، بل وعلى مستوى العالم، تأثروا بالفعل من هذا التحول، وفقاً لمحادثات أجراها مع شركات مختصة.
وعلى الرغم من هذا التأثير المتسارع، حذر الموسوي من غياب القوانين التنظيمية في العراق التي تضبط استخدام الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل، مؤكدا أن هذا الفراغ التشريعي قد يؤدي إلى حالات فصل تعسفية دون وجود حماية قانونية للعاملين، خاصة في ظل امتلاك الشركات سلطة شبه مطلقة على قرارات التوظيف والاستغناء. وتابع الموسوي حديثه بالتأكيد على أن "الذكاء الاصطناعي ليس خصماً للبشر، بل يمكن أن يكون أداة دعم قوية إذا ما تمت إدارته بحكمة ورؤية مستقبلية".