ثقة عالية بنجاح بغداد بتنظيم القمة العربية.. المندوبون العرب يشيدون بأداء الدبلوماسية العراقية
العراق يواجه "التطرف الإلكتروني".. معركة "شرسة" بعد هزيمة داعش
هيئة الحج والعمرة تعلن عبور الوجبة الاولى من قوافل الحجاج البرية عبر منفذ عرعر الحدودي
العراق يخطف الأضواء في بداية موسم الحج.. تنظيم مثالي وإشادات واسعة
العراق يقود المسار التنموي العربي.. أكثر من 30 قراراً يعيد رسم خريطة التعاون الإقليمي
بينما طويت صفحة "داعش" الإرهابي عسكرياً في العراق منذ عام 2017، فإن التنظيمات المتطرفة لم تغادر المشهد، بل أعادت تموضعها في فضاء الإنترنت، حيث تخوض معركة من نوع آخر، تستهدف العقول وتستثمر في الهشاشة الاجتماعية والسياسية والتقنية.
تقرير بحثي صادر عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات (ECCI، سلط الضوء على هذا التحدي المتنامي، مؤكداً أن العراق يواجه واحدة من أعقد صور التهديد الأمني المعاصر.
ساحة رقمية بديلة للحرب
تشير الباحثة العراقية شهلاء الهاشمي، عضوة منتدى خبراء الأمن في المركز، إلى أن الجماعات المتطرفة نقلت معركتها إلى الفضاء الرقمي بعد خسارتها الميدانية. وبحسب التقرير، تستغل هذه الجماعات منصات مثل "تيليغرام"، "ديسكورد"، و"تويتر" لنشر مقاطع دعائية، تعليمات تصنيع المتفجرات، وحتى مواد ترويجية تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي لتزييف الصور والفيديوهات، كما تستثمر هذه الجماعات في الانقسامات الطائفية، الفقر، والبطالة العالية بين الشباب.
وتحذر الهاشمي من أن "ضعف الثقافة الرقمية لدى فئات واسعة من الشباب العراقي يجعلهم عرضة سهلة للدعاية المتطرفة، في ظل غياب قوانين حديثة تنظم المحتوى الرقمي وتجرّم التحريض عبر الإنترنت"، وتضيف أن "الفراغ السياسي والاجتماعي، لا سيما في المناطق الخارجة من النزاع، يفتح ثغرات تستغلها التنظيمات المتطرفة لترويج سرديات تقوم على الإقصاء والانتقام".
كما يلفت التقرير إلى "ضعف البنية التحتية الرقمية، ما يسهّل على الجماعات المتطرفة اختراق المواقع الحكومية واختطاف الحسابات الرسمية لنشر رسائل تحريضية".
تحرّك حكومي
رغم هذه التحديات، يشير التقرير إلى أن العراق بدأ في اتخاذ خطوات لمواجهة الخطر الرقمي، فقد أُسست وحدة الجرائم الإلكترونية ضمن وزارة الداخلية، مهمتها رصد المحتوى المتطرف ومحاولة تفكيك الشبكات الرقمية. كما دخل العراق في شراكات مع منظمات دولية كبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، لتدريب المحققين والقضاة في التعامل مع الجرائم الإلكترونية، وأطلق حملات توعية تستهدف الشباب وتحثهم على التفكير النقدي والإبلاغ عن المحتوى المشبوه.
المبادرات المجتمعية
في المقابل، تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا مهمًا في التصدي للتطرف الإلكتروني، حسبما يوضح التقرير، مستشهدًا بمبادرة محلية أطلقتها منظمة "السلام الرقمي" تحت وسم "#فكر_قبل_أن_تشارك"، تهدف إلى توعية الشباب بمخاطر نشر المحتوى المتطرف حتى دون قصد. غير أن التعاون مع شركات التكنولوجيا الكبرى ما يزال "ضعيفًا نسبيًا"، رغم الدعوات المتكررة لتعزيزه.
بحسب التقرير، فإن جهود مكافحة التطرف الرقمي في العراق تصطدم بعدة عقبات، أبرزها "غياب ستراتيجية وطنية شاملة تدمج بين السياسات الأمنية والقانونية والتربوية، إلى جانب غياب نصوص قانونية واضحة تجرّم التحريض على الإرهاب عبر الإنترنت". كما تواجه الأجهزة الأمنية والقضائية "نقصًا في التدريب والتأهيل اللازمين لمواكبة تطور أدوات الدعاية المتطرفة، خصوصًا تلك التي تستعمل التشفير وتقنيات الذكاء الاصطناعي".
ويحذر التقرير من أن "التركيز المفرط على الأمن الرقمي قد ينقلب إلى تهديد لحرية التعبير إن لم يتم ضبطه ضمن معايير حقوق الإنسان، ما يتطلب توازنًا دقيقًا بين حماية الفضاء الرقمي وضمان الحريات الأساسية".
التوصيات
ترى الباحثة أن نجاح العراق في الحرب ضد داعش لا يعني نهاية التطرف، بل إن الجبهة الرقمية ما تزال مفتوحة وتتطلب استراتيجية جديدة. وتوصي بـ"إعداد ستراتيجية وطنية لمكافحة التطرف الرقمي، تُبنى على التنسيق بين مؤسسات الدولة، والقطاع الخاص، والمجتمع المدني، والشركاء الدوليين".
كما يدعو التقرير إلى "تحديث قانون الجرائم الإلكترونية، ليشمل تجريم التحريض والتجنيد عبر الإنترنت، مع ضمانات ضد سوء استخدام السلطة، وإدراج التربية الإعلامية الرقمية ضمن المناهج المدرسية والجامعية لتعزيز مناعة الشباب ضد التضليل".
ويشدد على ضرورة "دعم المبادرات الشبابية التي تروّج لخطاب التسامح وتكشف أساليب الجماعات المتطرفة، وتأسيس وحدة حكومية متخصصة بمراقبة الفضاء الرقمي، ترتبط بالأمن الوطني وتُعنى بتحليل خطاب الكراهية والتطرف".
وفي جانب التعاون الدولي، يحث التقرير على "توقيع اتفاقات شراكة مع شركات التكنولوجيا الكبرى لتسريع الإبلاغ عن المحتوى المتطرف، وتطوير أدوات خاصة باللغة العربية واللهجات العراقية لمراقبة المحتوى في المناطق الغربية والشمالية"، إلى جانب "الانخراط في مبادرات دولية مثل منتدى مكافحة الإرهاب GCTF، ومبادرة كرايست تشيرش العالمية".
يخلص التقرير إلى أن "مكافحة التطرف الرقمي في العراق لم تعد مجرد مهمة أمنية، بل هي معركة على الوعي الجمعي". ويؤكد أن الحل يكمن في "تطوير سياسات رقمية عادلة، وشراكات فاعلة، وبرامج توعية تستهدف الشباب، وتشريعات متوازنة تضمن الأمن وتحمي الحريات".
ويحذّر من أن "التهديدات الرقمية تتجاوز الحدود الجغرافية، مستفيدة من الذكاء الاصطناعي والتشفير، ما يجعل من الصعب التصدي لها بالوسائل التقليدية"، لذا، فإن "بناء بيئة رقمية آمنة في العراق لا يمكن أن يتحقق دون إصلاحات قانونية، واستثمارات تكنولوجية، وتعزيز التعاون الدولي، وتفعيل دور المجتمع المدني كخط دفاع أول".