أزمة ثقة ونقدية خانقة.. العراق على مفترق طرق لإصلاح نظامه المصرفي قبل الانهيار
مليارات للكيان.. ومجاعة في غزة: مصر توقع صفقة الغاز الأضخم في تاريخها مع تل أبيب
الذكاء الاصطناعي يقتحم سوق العمل العراقي.. فرص رقمية تهدد ملايين الوظائف التقليدية
لبنان على صفيح ساخن.. الحزب بين الشروط الامريكية والمواقف الحكومية: رفض قاطع لشروط مبعوث ترامب
من هتافات الإصلاح إلى صمت المقاعد.. كيف فقد المدنيون بوصلتهم؟
يقف العراق اليوم أمام لحظة حاسمة في تاريخه الاقتصادي؛ لحظة لا تحتمل التأجيل ولا أنصاف الحلول. فالنظام المصرفي، الذي يفترض أن يكون العمود الفقري لأي اقتصاد حديث، بات عبئًا على النمو، ومصدراً للجمود، بدلًا من أن يكون رافعة للاستثمار والتنمية.
ويشير التميمي إلى أن هذه التحديات لم تُعالج بجدية حتى الآن، وأن "الإصلاح المطلوب يجب أن يكون جذريًا، وبزمن قياسي، لأن استمرار الوضع الحالي يعني تآكل الثقة وتفاقم الأضرار". ويؤكد أن أي خطة إصلاح يجب أن تتضمن تحديث الأنظمة التكنولوجية، تطوير آليات مكافحة غسل الأموال، اعتماد معايير الشفافية العالمية، وإعادة بناء الجسور المقطوعة بين المصارف والجمهور.
بحسب الخبير الاقتصادي سلمان الدليمي، فإن مشكلة النظام المصرفي لا تقتصر على السيولة أو البنية التحتية، بل تكمن في فقدان الثقة العميق بين المواطنين والمصارف. ويقول: "المواطن العراقي اليوم يعتبر المصرف مكانًا لتجميد أمواله لا لتنميتها، وهذا نتيجة تاريخ طويل من التجارب السلبية، من انهيارات بنكية، إلى فضائح فساد، إلى غياب الضمانات".
ويكشف الدليمي أن نسبة الشمول المالي في العراق لا تتجاوز 23%، وهي من أدنى المعدلات في المنطقة، ما يعني أن أكثر من ثلاثة أرباع السكان يتعاملون نقديًا وبعيدًا عن القنوات المصرفية الرسمية، وهو ما يحرم الاقتصاد من مليارات الدولارات التي تبقى خارج دورة الاستثمار.
الأبعاد الاقتصادية والأمنية للأزمة
الأزمة المصرفية في العراق ليست قضية اقتصادية فحسب، بل لها أبعاد أمنية واجتماعية. فاقتصاد يعتمد على الكاش بشكل مفرط يسهل عمليات غسل الأموال، ويمكّن السوق السوداء من التوسع، ويعقّد جهود الحكومة في مكافحة الفساد وتمويل الإرهاب.
الخبير في شؤون الحوكمة ليث الكبيسي يحذر من أن "التأخر في الإصلاح المصرفي قد يخلق بيئة خصبة لاقتصاد الظل، ويضعف قدرة الدولة على ضبط مواردها المالية، مما يزيد من هشاشة الوضع الأمني والاقتصادي في آن واحد".
سباق مع الزمن
رغم محاولات البنك المركزي والحكومة إطلاق برامج إصلاحية خلال السنوات الأخيرة، مثل تشجيع الدفع الإلكتروني وتوسيع قاعدة الحسابات المصرفية، إلا أن غياب استراتيجية وطنية شاملة، وضعف التنسيق مع المؤسسات الدولية، وانقسام الإرادة السياسية، جعل هذه المحاولات أشبه بـ"مسكنات مؤقتة" لا تعالج أصل المرض.
ويؤكد محللون أن الإصلاح الشامل يتطلب إرادة سياسية صلبة، وتغييراً تشريعياً عاجلاً، واستثمارات ضخمة في التكنولوجيا المالية (FinTech)، فضلًا عن تدريب الكوادر المصرفية وتأهيلها لمواكبة التطورات العالمية.
ومع تزايد الضغوط الاقتصادية، وتقلبات أسعار النفط، وتنامي العجز في الموازنة العامة، فإن العراق يخوض سباقًا مع الزمن. فإما أن يشرع فورًا في إصلاح نظامه المصرفي ليعيد الثقة إلى السوق، ويجذب رؤوس الأموال المحلية والأجنبية، أو يواجه خطر الانزلاق نحو أزمة مالية خانقة قد تمتد آثارها لعقود.