رفع العلم الإيراني على ناقلات النفط: من “أسطول الظل” إلى دبلوماسية الردع البحري

hussein
اليوم, 19:44

خلال الأيام الماضية، تداولت وسائل إعلام إيرانية مهمة تقارير تفيد بأن عددا كبيرا من ناقلات النفط الإيرانية بدأت برفع العلم الإيراني وتشغيل أجهزة التتبع (AIS)، بعد أكثر من سبع سنوات من العمل ضمن ما يعرف بـ “أسطول الظل” الذي كان يتحرك سرا لتجنّب الرقابة والعقوبات الغربية.

ورغم عدم صدور إعلان رسمي من الحكومة الإيرانية يؤكد هذا القرار، إلا أن هذه التقارير أثارت موجة واسعة من التفسيرات داخل الإعلام الإيراني الذي رأى في الخطوة رسالة سياسية مباشرة إلى الغرب، وتحديدا إلى أمريكا والترويكا الأوروبية التي أعلنت مؤخرا إعادة تفعيل العقوبات الأممية ضد طهران.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل


 

التحدي الإيراني المفتوح

في ظاهر الأمر، يمكن قراءة القرار كإشارة إلى “الشفافية” أو محاولة لطمأنة الأسواق، لكنّ الخطاب الاعلامي الإيراني حمل معنى آخر تماما:

 

إيران لن تخضع ابدا

فرفع العلم وتشغيل أجهزة التتبع يعني ببساطة أن طهران تعلن حضورها في البحار بصفتها دولة ذات سيادة تبيع نفطها رغم أنف الغرب، وأن زمن العمل في الظل قد انتهى، وهذه ليست خطوة دعائية، بل مناورة ردعية محسوبة، تستهدف إيصال رسالة مزدوجة:

لسنا مهربين، ولسنا خائفين، ومن يقترب من ناقلاتنا سيتحمّل العواقب”.

 

عجز الغرب في اختبار البحر

القراءة الأعمق لهذه الرسالة تكمن في الظرف الدولي الراهن:

أوروبا المنهكة من أزمة الطاقة مع اقتراب الشتاء، وأمريكا الغارقة في حروب الوكالة من غزة إلى أوكرانيا، ليستا في موقع يمكّنهما من فتح جبهة بحرية جديدة مع إيران.

وفي الواقع أن الغرب لم ينجح في إيقاف الحوثيين في اليمن، الذين استطاعوا بإمكانات محدودة مقارنة بإيران، شلّ الملاحة في البحر الأحمر وفرض معادلة جديدة على العالم أجمع.

وحتى التحالف البحري اضطرّت واشنطن لتشكيله عجز عن تأمين السفن الإسرائيلية نفسها.

فكيف سيكون الحال لو قررت إيران – وهي الأقوى عسكريا والأوسع انتشارا والأكثر امتلاكا لأوراق الضغط – أن تفعل أوراقها في مضيق هرمز، حيث يمرّ أكثر من عشرين مليون برميل نفط يوميا؟

 

هرمز… الرسالة التي لا تقال

مضيق هرمز بالنسبة لإيران ليس مجرد ممرّ مائي، بل مفصل سيادي وورقة ردع استراتيجية.

وقد كررت طهران عبر الإعلام المقرّب منها أن أي مساس بسفنها سيجعل المضيق أول ساحة رد على اي تصعيد.

 

والإشارة هنا واضحة:

كما أغلق البحر الأحمر بقرار يمني مقاوم، فإن هرمز يمكن أن يغلق في وجه العالم كله إذا استفزّت إيران.

وهذا التلميح بحدّ ذاته كفيل بأن يردع الغرب قبل أن تطلق طهران رصاصة واحدة.

من اقتصاد الظل إلى السيادة البحرية

المحللون الإيرانيون يرون أن هذه الخطوة تمثل انتقالا من الدفاع إلى الهجوم في معركة النفط والعقوبات.

وبذلك تعيد إيران تعريف نفسها كقوة بحرية شرعية لا تعمل في الخفاء، وتضع خصومها أمام معادلة جديدة:

كل ناقلة نفط إيرانية باتت رمزا لسيادة الجمهورية الإسلامية، وأي استهداف لها سيعامل كاستهدافٍ مباشر للدولة”.

وهذا بحد ذاته يرفع كلفة المغامرة الغربية، ويعقّد أي خطوة لفرض حصار بحري أو اعتراض لناقلات النفط كما حدث في مراحل سابقة.

 

اخيرا

إذا كانت واشنطن قد فشلت في كسر إرادة صنعاء، فكيف يمكنها أن تتحدّى طهران؟

وإذا كان البحر الأحمر قد تحوّل إلى ساحة اختبار لميزان الردع، فإن هرمز سيكون الاختبار النهائي للهيمنة الأمريكية والغربية.

 

والرسالة الإيرانية وصلت بوضوح:

هذه سفننا وناقلاتنا تجوب البحار، ومن يظن أن البحر ملك له فليقترب

وبهذا التحوّل من “أساطيل الظل” إلى “دبلوماسية الردع البحري”، تعلن إيران أن زمن الخضوع للعقوبات قد ولى، وأنها قادرة على تحويل كل برميل نفط وكل ناقلة بحرية إلى أداة سيادة ورسالة مقاومة.