العراق يرفع سقف الضغط على أنقرة.. معركة الماء تدخل مرحلة "التفاوض الصعب"

اليوم, 17:16
1 572

في خضمّ أزمة مائية خانقة تهدد مستقبل الزراعة والأمن الغذائي والبيئي في العراق، تخوض بغداد معركة دبلوماسية معقدة على جبهات متعددة، سعيًا لتأمين حصتها العادلة من مياه نهري دجلة والفرات، في مواجهة سياسات مائية تركية تصفها الأوساط العراقية بـ«غير المنصفة».


فبينما لا تتجاوز كميات المياه الواصلة إلى العراق 30% من احتياجه الفعلي، تتكثف اللقاءات والحوارات بين الجانبين العراقي والتركي في محاولة لانتزاع تفاهمات واقعية تعيد التوازن إلى معادلة المياه في المنطقة، وتضع حدًا لتدهور الموارد المائية الذي يهدد مناطق الأهوار والزراعة في وسط وجنوب البلاد بالاندثار، حيث أكدت وزارة الموارد المائية مطالبة الجانب التركي بزيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات وبمقدار مليار م3/ثا. 

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



وأكد المتحدث باسم وزارة الموارد المائية خالد شمال، أن اللقاءات الأخيرة بين بغداد وأنقرة تمثل تحركًا جادًا ومتصاعدًا لمعالجة الأزمة عبر الحوار والتفاهم المشترك، مشيرًا إلى أن العراق يسعى لتفعيل الاتفاقات السابقة ومتابعة المشاريع الثنائية بما يضمن إدارة مستدامة وعادلة للموارد المائية.


وأوضح شمال أن العراق لا يستلم سوى 30% من حصته المائية الطبيعية، وهو ما انعكس سلبًا على قطاعات الزراعة ومياه الشرب والبيئة، خصوصًا في مناطق الأهوار الجنوبية التي تواجه خطر الجفاف الكامل.


وأضاف أن الحكومة تمارس «أقصى الجهود التفاوضية والفنية» لإقناع دول المنبع، وعلى رأسها تركيا، بضرورة تمكين العراق من الحصول على حصته القانونية وفق الأعراف والاتفاقات الدولية.


حلول عاجلة أم بعيدة المدى؟ 


وعُقدت اللجنة المشتركة العراقية – التركية لملف المياه اجتماعًا رسميًا في أنقرة برعاية وزيري خارجية البلدين فؤاد حسين وهاكان فيدان، حيث ناقش الجانبان سبل التعاون وإدارة الموارد المشتركة، وآليات تفعيل الاتفاق الإطاري للمياه.


وشارك في الاجتماع الفني اللاحق وزير الموارد المائية عون ذياب عن الجانب العراقي، ووكيل وزارة الزراعة والغابات أبو بكر كزل كيدر عن الجانب التركي، وتم الاتفاق على وضع حلول عاجلة وأخرى بعيدة المدى، تتضمن زيادة الإطلاقات المائية، وتفعيل التعاون الفني بين اللجان المشتركة، وتكليف شركات تركية بتنفيذ مشاريع بنى تحتية في مجال إدارة المياه والسدود.


كما تم التأكيد على عقد اجتماعات دورية لمتابعة تنفيذ التفاهمات وتقييم نسب التقدم، ضمن رؤية مشتركة لإدارة مستدامة للموارد المائية بين البلدين.


أزمة داخلية وتحديات متراكمة


لكن خبراء يرون أن المعركة لا تقتصر على الخارج، فالمشكلة المائية في العراق لها وجه داخلي لا يقل خطورة عن الضغوط الإقليمية.


الخبير المائي عادل المختار أكد أن سوء إدارة المياه داخل العراق فاقم الأزمة، مشيرًا إلى أن "العالم يتجه نحو ترشيد استخدام المياه، بينما لا يزال العراق يعاني من أنظمة ري مهدِرة، وهدر مائي واسع في الزراعة والاستهلاك المنزلي".


وأوضح أن المطالبة بحصص عادلة من دول المنبع تتطلب في المقابل إثبات جدية داخلية عبر إصلاح أنظمة الري وتطوير البنى التحتية وتشجيع المزارعين على اعتماد التقنيات الحديثة في الزراعة، إلى جانب تطبيق سياسات صارمة لترشيد الاستخدام ومنع التجاوزات على الأنهر والجداول.


ويحذر مراقبون من أن استمرار الانخفاض الحاد في الموارد المائية قد يهدد الأمن القومي للبلاد، إذ يعتمد قطاع الزراعة على نحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يعني أن أي تراجع في الإمدادات المائية سينعكس مباشرة على الإنتاج الغذائي، ويزيد من فاتورة الاستيراد الخارجي، ويضغط على العملة المحلية والميزان التجاري.


ويشير المختصون إلى أن الأمن المائي هو بوابة الأمن الغذائي والسياسي، وأن غياب الاستقرار المائي قد يؤدي إلى نزوح سكاني واسع من المناطق الزراعية المتضررة، ويزيد من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية على المدن الكبرى.


وبين دبلوماسية المياه التي تتطلب صبرًا واستمرارية، وإصلاحات داخلية تحتاج إرادة سياسية وإدارية، يقف العراق أمام أصعب اختبار وجودي في تاريخه الحديث: تأمين حقه في الحياة، مع أن المؤشرات الأخيرة توحي ببعض الانفراج في المسار التفاوضي مع أنقرة، إلا أن الطريق لا يزال طويلًا وشائكًا، ما لم تُترجم التفاهمات إلى التزامات عملية، وما لم يبدأ العراق بإصلاح بيته المائي من الداخل قبل أن يطالب الآخرين بالإنصاف.