الخسفة... هاوية الموت الجماعي.. حين حوّل "داعش" الإرهابي نينوى إلى مقبرة للإنسانية
"البرود الانتخابي" في كردستان.. تنافس معلّق بين أزمة الرواتب وصراع الأحزاب
وفاة الطبيبة بان تفتح باب الغموض.. تصريحات صادمة وتراجع مفاجئ واتهامات بضغوط سياسية
انفجار سياسي في بغداد.. تصريحات السفير البريطاني تهدد سيادة العراق وتشعل معركة قانون الحشد الشعبي
تركيا تُغري العراق بـ"الخطابات" وتعاقبه بالواقع.. معضلة المياه بلا حلول وصيف أشد عطشاً منذ سنوات
في العاشر من حزيران عام 2014، دخلت عناصر تنظيم داعش الإرهابي مدينة الموصل، لتبدأ بعدها مرحلة دامية من تاريخ محافظة نينوى، حيث ارتُكبت جرائم إبادة جماعية بحق المواطنين من مختلف الطوائف والقوميات، دون استثناء.
كان تنظيم داعش لا يقتل فقط الأجساد، بل كان يسعى لقتل التنوع، والهوية، والحضارة، مستخدمًا أفكاره المتطرفة لتبرير أبشع المجازر، من بينها مجزرة مقبرة الخسفة، التي ما تزال شاهدة صامتة على الإجرام المنهجي الذي مارسه التنظيم بحق المدنيين العُزل.
الخسفة.. بئر الرعب الذي ابتلع الآلاف
مقبرة "الخسفة"، الواقعة جنوب الموصل، تُعد واحدة من أبشع مواقع الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش بعد سيطرته على المدينة. هذه الحفرة العميقة تحولت إلى مقبرة جماعية استخدمها الإرهابيون لإلقاء آلاف الضحايا أحياءً أو بعد إعدامهم، في مشهد يتجاوز حدود العقل والضمير.
وفقًا لمحافظ نينوى عبد القادر الدخيل، فإن عدد الشهداء الذين قتلهم داعش في نينوى تجاوز 20,000 ضحية، من مختلف الطوائف، وفي يوم واحد فقط، أُعدم أكثر من 2,000 مواطن، بينهم 600 من وادي حجر.
بدعم من المؤسسات الرسمية، بدأت المرحلة الأولى لفتح المقبرة، التي يتوقع أن تكشف عن حقائق مروّعة لم تُكشف بعد.
أفكار داعش.. التطرف الذي يشرّع القتل الجماعي
اعتمد تنظيم داعش على تفسير مشوّه للنصوص الدينية، يقوم على تكفير المخالف واستباحة دمه، فكانت أفكاره الأيديولوجية المتطرفة المحرك الرئيسي لارتكاب المجازر الجماعية.
أعدم التنظيم الإرهابي الشيعة والمسيحيين والإيزيديين والصابئة وغيرهم، لمجرد أنهم لم ينصاعوا لرؤيته الظلامية.
مجزرة "سجن بادوش" مثال حيّ على ذلك، حيث أعدم التنظيم مئات السجناء على أساس طائفي وصل إلى ١٠٠ سجين من الشيعة فقط بحسب تقرير فريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش، وهو ما يعكس عنصريةً فكريةً متجذّرة في مشروعه الإرهابي.
مراحل التحقيق والعدالة المؤجلة
بدأت فرق البحث والتنقيب، بإشراف مؤسسات القضاء والطب العدلي ومؤسسة الشهداء، المرحلة الأولى من فتح مقبرة الخسفة، والتي تستمر 15 يومًا لجمع الأدلة والرفات الظاهرة.
لكن المهمة لا تزال محفوفة بالمخاطر، بسبب وجود مياه كبريتية ومتفجرات مزروعة وسط الرفات، ما يستدعي تدخلًا دوليًا وخبرات فنية عالية.
حتى الآن، تم فتح 94 مقبرة جماعية من أصل 130 مكتشفة في نينوى، ولا تزال مهمة الكشف عن الحقائق قائمة.
التعرف على الضحايا لن يكتمل إلا بعد فحوصات الحمض النووي، وهو ما يسلّط الضوء على أهمية توثيق الجرائم، ومحاسبة الجناة أمام المحاكم المحلية والدولية، وعدم السماح بنسيان ما حدث.
مقبرة الخسفة ليست مجرد حفرة في الأرض، بل جرحٌ غائر في قلب نينوى، ووصمة عار في جبين الإنسانية.
الكشف عن المقابر الجماعية ليس فقط من أجل دفن الرفات بكرامة، بل هو جزء من معركة الذاكرة ضد النسيان، ومن أجل مستقبل لا تكرّر فيه هذه الجرائم تحت أي راية أو عقيدة.