التقاعد: إكمال إجراءات صرف مكافأة نهاية الخدمة للعسكريين والمدنيين للشهر الحالي
النفط تعلن إطلاق حصة النفط الأبيض للمواطنين في 11 محافظة
صديقة لامين جمال تخرج عن صمتها وتكشف كواليس انفصالهما
شتائم وكلمات نابية واتهامات في العلن.. صراع الزعامة يزلزل البيت السني قبل الانتخابات البرلمانية
الحكم 10 سنوات بحق متهم بالترويج لأفكار حزب البعث المحظور
في بلد يُعرف بأرض الرافدين، أصبح الماء سلعة نادرة تتقاذفها المصالح السياسية أكثر مما تفيض بها الطبيعة. اليوم، أعلنت تركيا عن بدء زيادة الإطلاقات المائية نحو العراق، استجابة لطلب رسمي من بغداد، في خطوة أعادت ملف المياه إلى صدارة المشهد السياسي والإنساني معاً.
فمنذ مطلع الصيف، يعيش العراق جفافاً غير مسبوق هو الأشد منذ عام 1933، بحسب وزارة الموارد المائية، التي حذرت من أن الخزين المائي في السدود والأنهار يقترب من النفاد. ومع أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كان قد وافق في تموز/ يوليو الماضي على إطلاق 420 متراً مكعباً في الثانية من المياه يومياً، إلا أن منظمات بيئية عراقية وصفت هذه الأرقام بأنها "وهمية"، مشيرة إلى أن الواقع على الأرض يشي بتدفق أقل بكثير.
المرصد البيئي "العراق الأخضر" انتقد بدوره ما أسماه "تسييس ملف المياه"، محذراً من تحويل حياة ملايين العراقيين إلى ورقة مساومة سياسية بين الدول. أما زعيم التيار الوطني الشيعي مقتدى الصدر، فقد دعا الحكومة العراقية إلى "مصارحة الشعب" وفتح حوار مباشر مع أنقرة لتثبيت حصص مائية عادلة، معتبراً أن الأزمة لم تعد تحتمل التسويف.
على الأرض، تتجلى الأزمة في صور مأساوية. آلاف الفلاحين تركوا أراضيهم في جنوب العراق بسبب انحسار دجلة والفرات، فيما تراجعت مستويات الإنتاج في محطات الكهرباء المائية، وزادت موجات النزوح من مناطق الأهوار وذي قار والمثنى. وبحسب تقارير حقوقية، فإن العراق فقد نحو 30% من أراضيه الزراعية المنتجة خلال العقود الثلاثة الماضية نتيجة التصحر ونقص المياه.
لكن الأزمة لا تتوقف عند حدود الطبيعة. فالماء في الشرق الأوسط أصبح ورقة ضغط سياسية بامتياز. تركيا التي بنت عشرات السدود على منابع دجلة والفرات، لا تتعامل مع الإطلاقات بوصفها التزاماً قانونياً دائماً، بل كورقة تفاوضية مرتبطة بملفات أخرى مثل أمن الحدود، ملف حزب العمال الكردستاني، والتعاون في مجال الطاقة. وفي المقابل، يجد العراق نفسه محاصراً بين ضغوط أنقرة وسدود طهران، في وقت يعاني فيه من عجز داخلي في إدارة موارده المائية.
الأمم المتحدة صنفت العراق ضمن أكثر خمس دول في العالم هشاشة أمام التغير المناخي، فيما حذّر البنك الدولي من أن البلاد ستحتاج إلى استثمارات ضخمة تتجاوز 233 مليار دولار حتى عام 2040 لمواجهة التحديات البيئية والتحول نحو اقتصاد أكثر مراعاة للبيئة. ومع غياب التخطيط المستدام، تبقى الحلول آنية، لا تتجاوز كونها مسكناً لأزمة وجودية أكبر.
ورغم أن بغداد رحبت بالخطوة التركية، يبقى السؤال الأعمق: هل تمثل هذه الوعود بداية تعاون استراتيجي يعيد الرافدين إلى مجراهما الطبيعي، أم أنها مجرد رسالة سياسية عابرة ضمن لعبة إقليمية أكبر من عطش العراق؟
وما بين أنقرة وبغداد، تبقى رسائل الماء مشفّرة بلغة السياسة، فيما يظل المواطن العراقي البسيط هو الخاسر الأكبر أمام جفاف يهدد الحاضر ويظلل المستقبل بكثير من القلق.