تكشف مصادر قريبة من رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، عن تخوف عراقي من ربط الإدارة الأميركية ملف التصعيد المسلح من بعض الفصائل المسلحة الحليفة لطهران ضد القوات الأميركية العاملة في العراق ردا على دعم واشنطن المطلق للعدوان على غزة، بملف حصول بغداد على المبالغ المطلوبة من الدولار لتمويل صفقات الاستيراد الخارجية ودعم العملة المحلية، الدينار، الذي يعاني من تراجع كبير في قيمته.
ودخل البنك المركزي العراقي، مؤخرا، في مفاوضات واسعة مع ممثلين عن مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) عقدت في أبوظبي واستمرت عدة أيام، ركزت على إجراءات منع انتقال الدولار إلى الدول المفروضة عليها عقوبات من قبل الولايات المتحدة، وأبرزها إيران وسورية وحزب الله اللبناني، حيث تؤكد واشنطن أن تلك الأطراف تحصل على مبالغ ضخمة من الدولار من خلال تهريبها من العراق بطرق وأساليب مختلفة.
وذكرت مصادر مقربة من رئيس الوزراء، أن الحكومة العراقية “متخوفة من اتخاذ الولايات المتحدة إجراءات جديدة لها علاقة بتمويل المصارف بالدولار، أو عقوبات إضافية لبعض المنافذ والبنوك الأهلية، بعد تلميح مسؤولين أميركيين لذلك في معرض حديثهم عن هجمات تعرضت لها القوات الأميركية خلال الأسابيع الأخيرة من قبل فصائل مسلحة حليفة لطهران، ودعوتهم الحكومة العراقية إلى العمل على منعها.
وأوضحت المصادر، التي رفضت ذكر اسمها، أن “السوداني يخشى من ذلك، لأن أي إجراء يخص خفض تمويل العراق سيؤدي إلى إضعاف حكومته، فيما لا تبدو حواراته مع تحالف الإطار التنسيقي قد وصلت إلى نتيجة بالتوصل إلى تهدئة الفصائل”.
ولفتت إلى أن" رئيس الوزراء العراقي تعهد لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، خلال زيارته إلى بغداد في الخامس من الشهر الحالي، بالتوصل إلى حلول وتهدئة مع الفصائل المسلحة، التي تواصل قصف القواعد العسكرية التي تستضيف الأميركيين في الأنبار وأربيل، ومناطق سورية”، مشيراً إلى أن “الضربات الصاروخية لفصائل المقاومة قد تؤدي خلال الفترة المقبلة إلى زيادة في مشاكل قيمة الدولار وانخفاض قيمة الدينار، بفعل عدم إيفاء السوداني بتعهداته”.
وزار وزير الخارجية الأميركي العاصمة بغداد في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، واستمرت بضع ساعات وارتدى خلالها سترة واقية من الرصاص، وهو مشهد لم تألفه بغداد منذ سنوات خلال زيارات المسؤولين الغربيين إليها، نقل خلالها رسائل وتهديدات لفصائل عراقية مسلحة، إضافة إلى إيران، وهو ما دفع السوداني إلى عقد اجتماع مع أحزاب “الإطار التنسيقي” والحوار مع قادة الفصائل، ثم السفر في اليوم التالي إلى طهران واللقاء بالمرشد الإيراني علي خامنئي.
وخلال الأسابيع الماضية، شنّت الفصائل المسلحة العراقية هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ كاتيوشا على قاعدتي “حرير” و”عين الأسد”، ومعسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد غربيّ العاصمة العراقية، رداً على الحرب الإسرائيلية المتواصلة على غزة، والدعم الأميركي لها. وتضم تلك المواقع الثلاثة المئات من العسكريين الأميركيين وقوات تابعة للتحالف الدولي بقيادة واشنطن، أبرزها البريطانية والفرنسية.
وشهدت الأيام الماضية مفاوضات خاضها البنك المركزي العراقي مع مسؤولي الفيدرالي الأميركي في أبوظبي، وجرى بحث جملة من الملفات ركزت بالمجمل على آليات منع انتقال الدولار إلى الدول والجهات المفروضة عليها عقوبات أميركية، وأبرزها إيران ونظام الأسد، وحزب الله اللبناني. وتوصل الجانبان إلى اتفاق يقضي بتعزيز رصيد البنوك العراقية من العملة الصعبة، عن طريق الاعتمادات المالية الخاصة بها لدى عدد من البنوك والمصارف الدولية.
في السياق، قال عضو تحالف “الإطار التنسيقي” كريم عليوي إن “العراق وصلت إليه تهديدات تخص معاقبته بخفض تمويل بنوكه بالدولار، بسبب الرد العراقي على الداعمين للكيان الصهيوني، واستهداف القواعد العسكرية التي فيها أميركيون، وإن جوابنا باختصار هو أن العراق لا يخضع لأي تهديدات، لأننا نملك سيادتنا وقرارنا ولن نسمح للأميركيين بأن يستمروا بالضغط على العراقيين وتجويعهم”.
وأكمل عليوي، بأن “فصائل المقاومة الإسلامية لديها التزاماتها الشرعية والأخلاقية في الدفاع عن أهالي غزة بما تمتلكه من قوة وإمكانيات، بالتالي فإن مناصرة أهالي غزة حتى وإن كان فيها ضرر على العراقيين، فإن المقاومة مستمرة فيه”، مؤكداً أن “العراقيين الأحرار لا يقبلون أن تبقى أميركا ومن خلفها إسرائيل مسيطرة على مقدرات البلاد المالية، وأن هذا الاحتلال سينتهي حتماً”.
من جانبه، بيَّن المتحدث باسم جماعة كتائب سيد الشهداء كاظم الفرطوسي، أن “الولايات المتحدة داعمة للكيان الإسرائيلي، وتريد أن يبقى العراقيون بلا رد وبلا أي إجراء تجاه ما يحصل في غزة، بل إنها تهدد بتجويع العراق من خلال السيطرة على اقتصاده والتحكم بالدولار والعملة الصعبة في البنوك والمصارف العراقية”، معتبرا أن “الحلول العربية والقمم لم تصل إلى أي نتائج طيلة الأسابيع الماضية، بل إنها لم تتمكن حتى من توفير ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية لأهالي غزة، فهل يعقل أن تبقى المقاومة الإسلامية في العراق، صامتة؟ هذا ما لن يحدث أبداً، مهما كانت نتائج هذه المقاومة”.
بدوره، أوضح الخبير في الشأن الاقتصادي العراقي بشير الجواهري أن “الوضع السياسي والأمني والتوتر الحاصل في جبهة ما تُعرف بـ”المقاومة الإسلامية في العراق”، وتعرض الحكومة للإحراج بسبب عدم قدرتها على ضبط إيقاع الفصائل الغاضبة تجاه ما يحصل في غزة، وقصف الأميركيين، كل هذا يؤدي بكل تأكيد إلى تأثيرات ضخمة على الوضع الاقتصادي وكميات تمويل الدولار في العراق، وهو ما يدفع المواطنين إلى التوقع بأن القادم سيكون سيئاً”.
واستكمل الجواهري بالإشارة إلى أن “الولايات المتحدة كانت غاضبة من تهريب الدولار إلى إيران، أما الآن فهي غاضبة لسبب آخر وهو كسر الفصائل العراقية للهدنة بشأن عدم ضرب المصالح الأميركية، وقد تتخذ إجراءات بحق العراق”، مؤكداً أن “أميركا قد تقلل نحو 60 مليون دولار من تغطية السوق العراقية من الدولار كبداية، وقد تتجه إلى رفع هذه القيمة في المستقبل رداً على العراق، وصناعة أزمة داخلية تهدف إلى تهديد فصائل المقاومة وتحميلها ذنب الأزمة في الداخل العراق”.
ويشهد العراق أوضاعاً سياسية وأمنية متوترة انعكست على القطاعات الاقتصادية، جرّاء قيام الفصائل المسلحة العراقية بإنهاء الهدنة الخاصة بوجود الأميركيين في البلاد وعودة استهدافها القواعد المتمركزين فيها، كرد فعل على الجرائم التي يقوم بها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة.