بسبب "تسريبات" المالكي والصدر.. الاجتماعات السياسية في العراق "منزوعة الهواتف"!

10:56, 4/06/2024
686

بات حظر الهواتف في العراق خلال اجتماعات القادة السياسيين في العراق ولقاءاتهم تقليداً واضحاً ومتصاعداً خلال العامين الماضيين، حتى على مستوى أعضاء الحزب أو الكتلة الواحدة.


وبرزت ظاهرة تسليم الهواتف خارج مكان اللقاء أو الاجتماع، حتى دون طلب أحد أطراف اللقاء ذلك، بعد حادثة التسريبات الشهيرة لرئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي وقيادات سياسية أخرى، أبرزها النائب أحمد الجبوري، وهو ما دفع إلى تحول غالبية اللقاءات الشخصية بين السياسيين وآخرين في العراق إلى لقاءات منزوعة الهواتف.

قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل



ولتسليم الهواتف طريقة محددة ودبلوماسية، فحواها أن المضيف يسلّم هاتفه إلى أحد الأشخاص ليقوم الضيف بالخطوة ذاتها، وعلى الرغم من أن هذا الوضع كان مستهجناً إلا أنه بات ضرورياً بالنسبة للسياسيين في العراق، وذلك منعاً من تسجيل الحوارات والنقاشات عمداً أو لمنع "الاختراق"، حسبما أوضح عضو في تحالف "الإطار التنسيقي"، رفض الكشف عن اسمه.


ودفع حظر الهواتف في العراق الجميع إلى الشعور بالاطمئنان والحديث بحرية أكثر، خصوصاً أن بعض الاجتماعات تميزت بصراحة بلغت حدّ كيل الشتائم، كما أفصحت النائبة حنان الفتلاوي.


بداية حظر الهواتف


وبدأ حظر الهواتف في العراق في يوليو/ تموز 2022، على خلفية تسرّب تسجيلات صوتية لزعيم حزب "الدعوة الإسلامية"، رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، ضمن جلسة جمعته بعدد من قيادات وأعضاء فصيل "لواء أئمة البقيع"، الناشط في محافظة ديالى.


وتحدث المالكي خلال هذه التسريبات بأكثر من موضوع، منها المتعلقة بـ"الحشد الشعبي"، وعمله على تشكيل مجموعة جديدة لحمايته، كاشفاً عن عداوته لزعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وتهديده بضربه في معقله بحي الحنانة في النجف، عدا عن ملفات مرتبطة بحوادث في العراق حصلت في السنوات الماضية وله علاقة فيها، فضلاً عن اتصالاته مع "الحرس الثوري" الإيراني وشخصيات إيرانية مختلفة.


هزّة سياسية


وعلى الرغم من أن التسجيلات تسببت بهزّة سياسية وشعبية داخل العراق، بسبب احتوائها على معلومات خطيرة وتهجماً على قيادات سياسية ودينية، وتوجه محامين ومواطنين إلى رفع دعاوى قضائية ضد المالكي، إلا أن ملفات الدعاوى بقيت مطمورة لدى وزارة الداخلية والقضاء العراقي.


كما سُرّبت تسجيلات صوتية للنائب أحمد الجبوري، المعروف باسم "أبو مازن" ضمن اجتماع سياسي، وأخرى في اتصالات وتسجيلات صوتية مرسلة عبر تطبيق واتساب، تحدث فيها عن بيع وشراء المناصب في محافظة صلاح الدين ومناصب القضاء بالإضافة إلى مناصب أخرى في وزارة التربية، ناهيك عن تصوير وزراء أقسموا له بالولاء والطاعة وعدم الانشقاق عنه. 


وبحسب عضو في تحالف الإطار التنسيقي، فإن "قادة وزعماء الأحزاب باتوا يخشون تسرب أي تسجيلات صوتية من اجتماعاتهم، وعقب الأزمة التي شهدها الوضع السياسي على خلفية تسرّب تسجيلات نوري المالكي، فقد أقدم معظم القادة السياسيين إلى تصفية مكاتبهم من المشكوك بولائهم ونقلهم إلى جهات أخرى، بالإضافة إلى فحص المكاتب والغرف من أي أجهزة تنصت". 


وأضاف أن "السياسيين يخشون اختراق الهواتف أيضاً، إذ يعتقدون أنه من السهل اختراقها والتنصت من خلالها"، مبينا أن "النقاشات لا تبدأ بالحديث الحساس والخاص بملفات مهمة، إلا بعد التأكد من سحب جميع الهواتف المحمولة"، موضحاً أن "معظم قادة الأحزاب يخشون من اختراق الهواتف المحمولة، حتى لو كانت هناك ثقة عالية بين قادة الأحزاب لكنهم يخشون من تقنيات التجسس على حواراتهم".


سباب وشتائم


وسبق أن أشارت النائبة حنان الفتلاوي إلى أن "الإطار التنسيقي كيان ذكوري"، وحين سئلت عن السبب في حديث متلفز، بيَّنت أن "قيادياً رفض حضور المرأة لاجتماعات إدارة الدولة بسبب الفشار (تقصد السباب والشتائم)".


وهو مؤشر على أن الحوارات السياسية شهدت أحياناً التلفظ بالشتائم، فضلاً عن مهاجمة السياسيين بعضهم البعض وتوجيه الاتهامات بالفساد.


من جهته، قال النائب في البرلمان العراقي محمد الصيهود، إن "النقاشات السياسية تحافظ على اللياقة، لكن المشاعر الغاضبة قد تحدث أحياناً، وأن السياسيين حالهم كحال بقية البشر، فهم يتخاصمون ويجري الحديث أحياناً بطرق العتب والجدال والمفاوضات الطويلة"، موضحاً أن "البرامج الخاصة بالفبركة والذكاء الاصطناعي أحياناً تعمل على تحريف الحقائق، ونحن نعي ذلك جيداً". 


ورأى الصيهود أن "اختراق الهواتف هو جزء من مهام بعض الجهات المعادية للنظام السياسي العراقي، وعادة ما تهدد الأمن الإلكتروني للسياسيين، بالتالي لا بد من مواجهتها بالحذر، وهو أمر طبيعي، لا سيما وأن العراق يشهد تجاذبات سياسية، وهناك أطراف خارجية تسعى للنيل من قادة العملية السياسية"، وذلك في تعليله حظر الهواتف في العراق والتمسك بهذا الأمر.


أزمة ثقة


أما المحلل السياسي أحمد الشريفي، فقد لفت إلى أن "أزمة الثقة بين الأحزاب والقادة وأعضاء التكتلات السياسية زادت كثيراً بعد تسرّب التسجيلات الصوتية والمقاطع المصورة للسياسيين والمرشحين للوزارات وهم يقسمون على الطاعة والولاء، ربما لأن هذه الأحزاب لم تكن تنتبه إلى التطورات الحديثة في الأمن الرقمي، لكنها حالياً تخشى من أي مشكلة من هذا النوع، وأدى ذلك إلى توجهها نحو الحذر والاحتراز وعدم الحديث بجرأة، إلا في دوائر صغيرة جداً".


وأشار الشريفي إلى أن "توجيهات تصدر بين فترة وأخرى داخل الدوائر الحزبية بمراعاة الأمن الرقمي وعدم فتح الروابط المجهولة، بالإضافة إلى تأمين الهواتف لمنع أي حالة تجسس أو تنصت"، مؤكداً أن "التسريبات الصوتية للمسؤولين هي ظاهرة أمنية ومخابراتية تحدث في كل العالم، لكن بعض التسجيلات تمثل صدمة عادة لجمهور الأحزاب، لا سيما حين تكون متناقضة مع الخطاب الوطني أو السلمي".