مع كل أزمة اقتصادية يشهدها العراق، تعيد دوائر صنع القرار في البلاد الحديث عن ضرورة تصحيح الوضع الاقتصادي العام، وجلب الاستثمارات الأجنبية والمحلية من أجل بدء إعادة الإعمار وتوفير فرص عمل للشباب.
غير أن العراقيين يدركون في كل مرة أن هذه الدعوات لا تكاد تجد لها تطبيقا على أرض الواقع؛ بسبب تضارب القوانين، فضلا عن الفساد والبيروقراطية الإدارية.
رئيس مؤسسة "عراق المستقبل" المعنية بالشؤون الاقتصادية منار العبيدي أشار، اليوم السبت (10 آب2024)، إلى تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي الأخير الذي كشف عن خروج أكثر من 5 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من العراق في عام 2023.
وبيّن التقرير، بحسب العبيدي، أن العراق خسر استثمارات أجنبية تزيد عن 52 مليار دولار أمريكي منذ عام 2013 حتى عام 2023.
وأكد العبيدي، على أهمية الاستثمارات الأجنبية في تحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة فرص العمل، ونقل المعرفة، مشددا على أن الاستثمارات الأجنبية تعد مصدرًا مهمًا لدخول الأموال غير المرتبطة بإيرادات الدولة أو الاستثمارات المحلية.
وحدد العبيدي الأسباب الرئيسية لخروج هذه الاستثمارات من العراق، والتي تشمل بيئة الأعمال المتردية، نقص الشفافية، البيروقراطية المتراكمة، وتعدد وتضارب مصادر القرار، موضحا أن عدم وجود قوانين واضحة لحماية أموال المستثمرين الأجانب ساهم أيضًا في هذا التدهور.
شعارات "واهية"
ووصف العبيدي برامج دعم القطاع الخاص بأنها "شعارات واهية"، مشيرًا إلى أن الفكر الشمولي والاشتراكي هو السائد في المؤسسات الحكومية، مما أثر سلبًا على أهداف هيئات الاستثمار التي ركزت بشكل أساسي على الاستثمارات العقارية المحلية بدلاً من مجالات الطاقة والبنية التحتية والمشاريع الإنتاجية.
وأكد العبيدي أن استمرارية الفكر الاشتراكي والرعوي في الجهات الحكومية سيؤدي إلى استمرار استنزاف الاستثمارات الأجنبية من العراق.
وشدد على ضرورة وجود إرادة حقيقية لتحسين بيئة الأعمال عبر ثلاثة عناصر أساسية: الشفافية، التسهيلات، والحماية، وذلك لجذب المستثمرين الأجانب وتعزيز الاقتصاد العراقي.
"محاصصة" الاستثمار
أما الخبير القانوني أمير الدعمي فيرى أن سبب تداعي الاستثمار أو (موته) -حسب تعبيره- يعود إلى ضعف الدولة وعدم فرض هيبتها، إذ إن الاحزاب تستولي على الأراضي من دون حسيب أو رقيب، ومن دون أن تتاح الفرصة للمستثمرين.
ويرى الدعمي أن المشكلة لا تتعلق بقانون الاستثمار وتعارضه مع قوانين أخرى قدر تعلقها بقدرة الدولة على السيطرة، إذ إن أي مستثمر أجنبي لا يستطيع الحصول على أي رخصة استثمارية من دون دفع إتاوات ورشاوى للأحزاب والوزارات، مما يؤدي إلى هروبه بسبب عدم وجود أي ضمانات أو حماية للأموال التي سينفقها، مع الأخذ في الاعتبار أن هيئات الاستثمار مقسمة بين الأحزاب وفق محاصصة معمول بها منذ سنوات.