السوداني يدفع بعجلة "مترو بغداد": شراكة مع القطاع الخاص وخطة لاستقطاب شركات عالمية
رئيس مجلس النواب الأمريكي: ترامب لديه كامل الحق بطرد آلاف المسؤولين في ظل الإغلاق الحكومي
من بوابة الاستثمار.. واشنطن تتحرك سريعاً للهيمنة على قطاع الطاقة العراقي
وزير الصحة يعلن موعد افتتاح مراكز لعلاج الأورام السرطانية في أربع محافظات
من بوابة الاستثمار.. واشنطن تتحرك سريعاً للهيمنة على قطاع الطاقة العراقي
وسط ضجيج الأرقام وتضارب التصريحات الرسمية، تتكشف ملامح أزمة مالية عميقة تعصف بالعراق بهدوء مقلق. فالاقتراض الداخلي، الذي بدأ كأداة مؤقتة لتجاوز الأزمات، يتجه تدريجيًا نحو التحول إلى عبء هيكلي مزمن، ينذر بتقويض استقرار الاقتصاد الوطني، ويدفع البلاد إلى حافة أزمة لا تُحمد عقباها.
البيانات الرسمية تكشف أن الدين الداخلي بلغ منتصف عام 2025 نحو 87 تريليون دينار، مع وجود توصية حكومية لإصدار سندات إضافية بقيمة 5 تريليونات دينار لتسديد مستحقات المقاولين، وهو ما يرفع الدين إلى قرابة 97 تريليون دينار. هذا التوجه أثار موجة تحذيرات من خبراء اقتصاديين يرون أن البلاد تنزلق نحو سياسة تمويل خطرة، تقوم على مراكمة الدين لتسديد التزامات تشغيلية عاجلة، دون أن يقابل ذلك استثمار حقيقي في التنمية أو البنية التحتية.
الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي كان صريحًا في وصفه لهذا المسار، محذرًا من أن الاقتراض الداخلي يسير في اتجاه "مقلق"، وقد يتحول إلى فخ مالي خانق. فالسندات التي يفترض بها دعم المشاريع الاستثمارية، تُستخدم اليوم لسد فجوات الإنفاق الجاري، وهو ما ينذر بضغط إضافي على السيولة، وتضخيم عبء خدمة الدين، الذي وصل عام 2024 إلى 9.3 تريليون دينار.
ولم تكن السياسات المالية الأخرى بمنأى عن الانتقاد، فقد رأى الخبير منار العبيدي أن الحكومة ساهمت في تعميق العجز رغم الإيرادات النفطية التي بلغت 300 مليار دولار بين 2022 و2024. ويؤكد أن قرار تخفيض سعر صرف الدينار من 1450 إلى 1310 مقابل الدولار كلّف الدولة 40 تريليون دينار إضافية، فضلًا عن ارتفاع النفقات الجارية من 104 إلى 125 تريليون دينار، وفاتورة الرواتب من 43 إلى 60 تريليونًا خلال عامين فقط.
ويشير العبيدي إلى أن الدين الداخلي ارتفع من 69 إلى أكثر من 85 تريليون دينار خلال نفس الفترة، معتمدًا على أموال المصارف العامة والخاصة، ما استنزف السيولة، وخلق حالة من الانكماش في تمويل القطاع الخاص، وسط غياب رؤية اقتصادية واضحة لإدارة الدين.
ورغم هذه الانتقادات، تحاول الحكومة رسم صورة أكثر استقرارًا. المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، يرى أن العراق لا يزال في المنطقة الآمنة، مشيرًا إلى أن نسبة الدين العام (الداخلي والخارجي) لا تتعدى 33% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة منخفضة مقارنة بالمعايير الدولية. ويؤكد صالح أن نصف الدين الداخلي موجود ضمن محفظة البنك المركزي، ما يقلل من أثره التضخمي، بينما الديون الخارجية تمثل 8% فقط، ومعظمها طويلة الأجل وموجهة لإعمار المناطق المحررة.
كما أشار صالح إلى أن العراق تخلص من نحو 100 مليار دولار من ديونه الخارجية عبر اتفاقية نادي باريس، والمتبقي منها سينتهي بحلول 2028، باستثناء 2.7 مليار دولار للقطاع الخاص الأجنبي.
إلا أن مراقبين اقتصاديين يرون أن الطمأنات الرسمية لا تُلغي خطورة المسار الحالي. فالرهان على الاستقرار القائم على وفرة النفط وحدها يُعد مغامرة محفوفة بالمخاطر، خاصة في ظل تصاعد الالتزامات التشغيلية، وتباطؤ النمو، وغياب إصلاحات حقيقية في هيكل الإنفاق العام.
الاقتراض بحد ذاته ليس مشكلة، بل قد يكون ضرورة في كثير من الأحيان. لكن الخطر يكمن في أن يتحول إلى وسيلة لشراء الوقت، بدل أن يكون أداة لصناعة المستقبل. وما يفتقر إليه العراق اليوم هو استراتيجية دين متكاملة تربط التمويل بالتنمية، وتفصل بين النفقات التشغيلية والاستثمارية، وتضمن استخدام أدوات الدين في دعم الإنتاج لا الاستهلاك.
أزمة الديون في العراق لم تعد مجرد قضية مالية تقنية، بل تحوّلت إلى اختبار حقيقي لجدية الدولة في الإصلاح، وقدرتها على مغادرة مربع الحلول المؤقتة، نحو رؤى مستدامة تؤسس لاقتصاد متماسك. فإصدار سندات جديدة قد يُنقذ الحكومة من أزمة آنية، لكنه في الوقت ذاته قد يزرع قنبلة موقوتة في جسد الاقتصاد، لن تتأخر كثيرًا في الانفجار إذا استمر المسار كما هو عليه.