فجوة العجز تتسع.. شحّ السيولة يهدّد تنفيذ المشاريع الخدمية الكبرى في العراق

اليوم, 11:41
1 129

رغم إعلان الحكومة العراقية نهاية العام الماضي تخصيص أكثر من 100 مليار دولار لتنفيذ المشاريع الاستراتيجية في مجالات البنية التحتية، لكن الواقع المالي المرتبط بأسعار النفط يثير الشكوك في القدرة على التمويل، خاصة في ظل اعتماد الموازنة بشكل شبه كلي على عائدات النفط التي تتسم بالتقلب وعدم الاستقرار.

 

ووفقاً للتقارير الاقتصادية فإن الحكومة أصدرت في الآونة الأخيرة سندات بقيمة 2.3 مليار دولار لمعالجة العجز المتزايد في الموازنة، كما سمحت وزارة المالية بسحب نحو ثلاثة تريليونات دينار من مدخرات الضرائب لتأمين رواتب الموظفين، في خطوة اعتُبرت دليلاً على الضغط المالي المتزايد.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

ويصطدم هذا التوجه بواقع مالي معقد، في حين تعتمد الموازنة العراقية بنسبة تتجاوز 90% على صادرات النفط، ما يجعل الاقتصاد عرضة للتقلبات العالمية في أسعار الخام، ومع أن العراق حقق أرباحًا صافية قدرها 30 تريليون دينار عراقي (نحو 23 مليار دولار) من صادرات النفط خلال الربع الأول من عام 2025، لكن هذه العائدات لم تكن كافية لتغطية الموازنة التشغيلية المتمثلة بمرتبات المواطنين ونفقات الشركات المنفذة لمشاريع البنى التحتية، مما دفع وزارة المالية إلى إصدار سندات وسحب ما يقارب 3 تريليونات دينار (2.3 مليار دولار) من مدخرات الضرائب لتغطية رواتب شهر نيسان والأشهر التالية.

 

الصدمات الاقتصادية

 

في هذا الصدد، يرى الباحث الاقتصادي علي عواد، أن نقص السيولة النقدية من أهم التحديات الاقتصادية الكبرى التي قد تعرقل نمو الاقتصاد الوطني وتنفيذ المشاريع الحيوية في المستقبل.

 

وأضاف عواد، أنه "رغم تخصيص الحكومة أكثر من 100 مليار دولار لتنفيذ مشاريع استراتيجية، فإن هذا الحجم الكبير من النفقات يتطلب تمويلًا مستدامًا ومتوازنًا، وهو ما لا يبدو متوفرًا في ظل الاعتماد الكبير على النفط كمصدر أساسي للإيرادات".

 

وبيّن عواد أن "العراق يعاني هيكلاً اقتصادياً غير متنوع، يجعله أكثر عرضة للصدمات الاقتصادية الناجمة عن تقلبات أسعار النفط، وفي حال استمرار تراجع الأسعار إلى أقل من 70 دولاراً للبرميل، فإن فجوة العجز قد تتسع بشكل أكبر، ما يؤثر مباشرة على قدرة الدولة على تمويل المشاريع وتنفيذها".

 

ولفت، إلى أن الحكومة أمام خيارين: الأول هو تقليص الإنفاق الجاري، بما في ذلك الرواتب والمستحقات، وهو ما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية بسبب تأثير ذلك على الحياة اليومية للمواطنين.

 

أما الخيار الثاني بحسب عواد، فهو التوسع في الاقتراض المحلي من البنوك الخاصة التي تمتلك كتلة ضخمة من السيولة المالية، وهو ما قد يزيد من حجم الدين العام ويعرض الاقتصاد لمخاطر أخرى في المستقبل، خاصة في ظل الشكوك في شأن استقرار السوق النفطية، مشددا على ضرورة تعزيز القطاعات غير النفطية مثل السياحة والصناعة والخدمات المالية، وخلق بيئة استثمارية جاذبة للمستثمرين الأجانب والمحليين على حد سواء. مؤكداً أن استدامة المشاريع المستقبلية في العراق تتطلب تغييرًا جذريًّا في السياسات المالية وتطوير نظم الإدارة المالية الحكومية.

 

نقص السيولة يستفحل

 

جمال كوجر، عضو اللجنة المالية البرلمانية، أبدى مخاوفه من استمرار نقص السيولة في العراق، مؤكدًا أن هذا النقص يشكل تهديدًا حقيقيًّا لتنفيذ المشاريع الخدمية الكبرى التي خصصت لها أكثر من 100 مليار دولار، مثل مشاريع البنية التحتية والكهرباء والإسكان، وأضاف كوجر أن "نقص السيولة النقدية يعيق قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية، مما يثير تساؤلات حول تمويل هذه المشاريع في الوقت المحدد، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية".

 

وأوضح كوجر، أن العراق يعاني اعتماداً مفرطاً على صادرات النفط، مما يجعله عرضة لتقلبات أسعار النفط التي تؤثر بشكل مباشر على الإيرادات الحكومية، مما يزيد من عمق أزمة السيولة ويجعل البلاد في مواجهة تحديات كبيرة لتنفيذ المشاريع الحيوية.

 

كما أشار كوجر إلى أن غالبية المشاريع المقررة تتطلب تمويلًا مستدامًا من مصادر متنوعة، لكن في ظل غياب التنوع في مصادر الدخل القومي، يجعل الاعتماد على النفط الاقتصاد العراقي عرضة للمخاطر، في حال حدوث انخفاض كبير في أسعار النفط، وهو ما قد يزيد من صعوبة الوفاء بالتزامات التمويل للمشاريع الكبرى.

 

وأكد كوجر أن العراق ما يزال يعاني غياب الموازنة، ويعتمد بشكل كبير على السحب من الاحتياطيات الضريبية وسندات الدين لتغطية العجز المالي، ما يعمق التحديات الاقتصادية على المدى الطويل، وأفاد، بأن هناك ضرورة ملحة لتفعيل إصلاحات اقتصادية تركز على زيادة الإيرادات غير النفطية، مثل تعزيز القطاع الخاص وتحقيق التنوع الاقتصادي لخلق مصادر تمويل مستدامة.

 

الضغط على النفقات

 

من جانبه، أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني، أن العراق يواجه أزمة سيولة حقيقية، رغم توفر الإيرادات النفطية بالدولار بكميات كافية لتغطية النفقات الأساسية في مفاصل الدولة العراقية. وقال المشهداني، إن الحكومة تمتلك احتياطياً من الدولار ناتجاً عن تصدير أكثر من 3.1 ملايين برميل نفط يومياً، في حين أن عائدات النفط خلال الشهر الماضي بلغت نحو 7.7 مليارات دولار، وهو رقم كافٍ لتغطية رواتب الموظفين والمتقاعدين ومصروفات الحماية الاجتماعية، والتي تتطلب شهرياً نحو 7.85 تريليونات دينار عراقي، (نحو خمسة مليارات دولار).

 

وأوضح المشهداني، أن سبب الأزمة يعود إلى نقص السيولة بالدينار داخل الجهاز المصرفي، حيث إن 90% من العملة العراقية المتداولة لا تعود سريعاً إلى النظام البنكي، ما يحد من قدرة البنك المركزي على تلبية احتياجات الحكومة من النقد المحلي، حتى مع توفر الدولار. 

 

وأشار المشهداني إلى أن البرلمان كان قد خول الحكومة في موازنتي 2023 و2024 بالاقتراض من البنك المركزي العراقي بحدود 20 تريليون دينار، مبيناً أن الحكومة في العام الحالي لم تلجأ إلى الاقتراض المباشر، لكنها استفادت من اقتطاع سندات الخزينة عبر البنك المركزي، وهو ما يُعد تمويلاً غير مباشر.

 

ولفت إلى أن هذه الأزمة تتكرر في جميع المحافظات بسبب توسع السكان وتآكل البنى التحتية، التي يعود تنفيذ أغلبها إلى ما قبل عام 1985، الأمر الذي يفاقم الضغط على النفقات الحكومية.