جهود حكومية لمواجهة داء الكلب والحد من مخاطر الكلاب السائبة
رغم السيول الغزيرة.. التصحر يزحف نحو مساحات شاسعة في البلاد
السوداني والعبادي يؤكدان أهمية الإسراع بإنجاز الاستحقاقات الدستورية في موعدها المحدد
النفط تعلن تشغيل مشروع غاز الناصرية والغراف في الربع الأول من 2027
انتخاب العراق رئيساً لاتحاد غرب آسيا لرفع الأثقال
رغم الأمطار الغزيرة والسيول مؤخرا، ألا أن أرقام التصحر باتت واقعاً يضرب مساحات شاسعة من أرض العراق.
ويكشف الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، في تقريره الصادر أخيراً، عن أن المساحات المهددة بالتصحر بلغت 96.5 مليون دونم (الدونم = 2500 متر مربع)، فيما وصل إجمالي الأراضي المتصحرة إلى 40.4 مليون دونم، ما يعكس زيادة ملحوظة مقارنة بعام 2021
.
وفي الوقت نفسه، أورد التقرير أن المساحة المزروعة الكلية في العراق خلال عام 2024 بلغت 11.9 مليون دونم فقط، توزعت بين الأراضي الديمية (البعلية) والمروية وتلك التي تعتمد على مياه الأنهار، والتي انخفضت إلى نحو 1.5 مليون دونم، في مؤشر مباشر على تفاقم الأزمة المائية.
هذه الأرقام جاءت نتاج تراكم سياسات مائية إقليمية ومحلية، وتغيرات مناخية متسارعة، وممارسات زراعية غير مستدامة أدّت مع الوقت إلى تملّح وتدهور واسع في التربة.
يشير الخبير الزراعي شاكر الدليمي، في حديثه، إلى ضرورة التوقف عند مجموعة عوامل متشابكة حول ملف التصحر، أولها السياسات المائية لدول المنبع، حيث يعتمد العراق بشكل شبه كامل على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، وقد أدى بناء السدود الكبرى وتعديل سياسات الإطلاقات المائية إلى تقليص الحصة المائية الواصلة إلى الداخل العراقي.
ويضيف الدليمي إلى أن ثاني العوامل هو التغير المناخي، إذ يعدّ العراق ضمن أكثر الدول هشاشة أمام تغير المناخ، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، وتراجع معدلات الأمطار، وتكرار موجات الجفاف.
وثالثاً يأتي "تدهور إدارة الموارد المائية داخلياً"، حسب الدليمي، موضحاً أن "استخدام تقنيات الري الحديثة ما زال محدوداً، أما رابع العوامل فهو تملح التربة والاستنزاف الجوفي جراء توسّع الاعتماد على الآبار".
في شأن متصل يقول المتخصص في الزراعة المستدامة، المهندس الزراعي صالح مهدي، إن "الزراعة العراقية تواجه أسوأ أزمة منذ عقود"، مبيناً "ما نراه اليوم ليس تذبذباً موسمياً، بل تآكل ممنهج لأسس الإنتاج الزراعي".
ويضيف مهدي، إن "الانتقال من ري الأنهار إلى الاعتماد على الآبار له ثمن بيئي؛ فهبوط المياه الجوفية يرفع مستوى الملوحة ويخفض من خصوبة التربة، وهذا يفسر لماذا يتحول المزارع إلى زرع محاصيل أقل قيمة أو التخلي عن الزراعة كلياً".
ويقدم الخبير الزراعي أرقاماً مقارنة، إذ يلفت إلى أن الأراضي التي كانت تعتمد على مياه الأنهار انخفضت بنسبة قد تصل إلى 60% في بعض الإحصاءات الحكومية، وفي بعض المحافظات كانت الأراضي المروية تتراوح بين 4–6 ملايين دونم، لكن اليوم تقلصت إلى أقل من النصف في مواسم متعددة. ما يأسف عليه مهدي هو أن العراق "خسر كثيراً عندما لم يلحق بالتطور التقني في الزراعة والري".
يفسّر الخبير البيئي أحمد حسن، كيف أن تراجع الغطاء النباتي مولِّد رئيسي للعواصف الترابية التي تخنق المدن وتؤثر في صحة الناس.
ويقول حسن: "كلما فقدنا نباتاً محلياً، ازداد تعرض التربة العراقية للتعرية الهوائية والسطحية، ونفقد خدمات النظام البيئي مثل امتصاص الكربون، وتلطيف المناخ المحلي، والحفاظ على الرطوبة".
يشرح حسن تأثيرات الجفاف لافتاً إلى أنها تتمثل بـ"فقدان الكتلة النباتية وزيادة فقدان المواد العضوية وخفض قدرة التربة على احتجاز الماء، ما يؤدي إلى تدهور هيكل التربة وزيادة النفاذية للرياح".
من جهته يوضح الباحث في الشأن البيئي، حسين النداوي، المخاطر التي تهدد الأحياء المائية في العراق جراء التصحر، مبيناً أنه لاحظ أن انخفاض التدفق النهري وارتفاع الملوحة أدى إلى انخفاض التنوع السمكي وازدياد الهجرة والنفوق.
ولفت النداوي إلى أن "السلسلة الغذائية" تضررت كثيراً ومهددة بضرر أكبر جراء توسع الجفاف.
ومن جانب آخر يوثق النداوي من واقع زيارات ميدانية لقرى في محافظات الوسط والجنوب، مشاهد الهجرة الداخلية، مؤكداً أن "العديد من العائلات لم تعد ترى جدوى من البقاء على الأرض".
وأشار إلى أن هذا التحول الاجتماعي له آثار فورية تتمثل في "تراجع إنتاج الحبوب والخضراوات المحلية، وانهيار سلاسل الإمداد المحلية، وزيادة الضغط على المدن من خلال موجات نزوح ريفي".