رفض نيابي وشعبي.. العراق يدافع عن حقوقه المائية في خور عبد الله ضد الضغوط الخارجية
عقارات بغداد القديمة.. أسعار خيالية و "تلاعب خفي" بالقيمة الحقيقية
79 تريليون دينار خارج النفط.. خطة عراقية طموحة لتنويع الإيرادات حتى 2028
سجادة منسوجة يدويًا تثير دهشة الأوروبيين.. فما القصة؟
رغم فشلها في الانتخابات السابقة.. القوى المدنية تعاود المحاولة وسط شكوك حول جدواها
لطالما مثّلت الأحياء القديمة في بغداد نواة المدينة الأولى ومنطلق عمرانها وتقاليدها وحياتها الاجتماعية منذ العصر العباسي، مروراً بالمراحل العثمانية والملكية، وحتى العقود الأخيرة من الدولة العراقية الحديثة، وظلت هذه الأحياء تحافظ على قيمتها الرمزية في ذاكرة البغداديين بما تحتضنه من عمارة تراثية ضيقة الأزقة، ومنازل متلاصقة تنبض بالحياة والدفء الشعبي.
ورغم ما تعانيه هذه المناطق اليوم من تهالك عمراني واضح، وتراجع كبير في مستوى الخدمات عقب سقوط النظام عام 2003، إلا أن أسعار العقارات فيها تشهد ارتفاعاً غير مسبوق، وصل في بعض الحالات إلى مستويات تفوق أسعار الأحياء الجديدة أو الراقية في أطراف العاصمة، حيث يُعزى هذا الارتفاع إلى عوامل متعددة تتجاوز القيمة الحقيقية للعقار.
من بين أبرز هذه الأحياء: العوّادين، باب الشيخ، الفضل، سوق حنون، الشاكرية، أبو سيفين، قنبر علي، الفحامة، الكرخ القديمة، الرشيد، وأزقة ومناطق كثيرة في منطقتي الكاظمية والأعظمية، وغيرها من المناطق التي كانت حتى وقت قريب تعاني من الإهمال، لكنها تحولت في السنوات الأخيرة إلى مواقع جذب لجهات غير تقليدية تعمل على إعادة تشكيل التركيبة السكانية.
قفزة في الأسعار
في هذا السياق، يقول المختص العقاري حسام الشيخ إن السنوات الأخيرة شهدت فيها أسعار العقارات في الأحياء القديمة في بغداد، مثل العوّادين، باب الشيخ، الفضل، وغيرها، ارتفاعاً ملحوظاً. وعلى الرغم من تدهور البنية التحتية والخدمات في هذه المناطق، فإن أسعار العقارات في بعض الأحياء ارتفعت بنسب تراوح بين 15% و30% مقارنة بالسنوات السابقة.
وبيّن الشيخ، أن هذه الزيادة غير مبررة بالعوامل الطبيعية للسوق من حيث العرض والطلب، بل هي نتيجة لعمليات شراء منظمة وواسعة النطاق تستهدف تلك المناطق.
وأضاف أن العديد من العائلات البغدادية التي تعيش في هذه الأحياء تجد نفسها في مواجهة صعوبات اقتصادية تجعلها تضطر إلى بيع ممتلكاتها بأسعار تفوق التصورات المحلية، وذلك في كثير من الأحيان بسبب حاجتها الماسة للمال.
وأفاد الشيخ بأن بعض العمليات تتم عبر سماسرة وشركات غير معروفة تماماً في السوق العقاري، وهو ما يساهم في رفع الأسعار بشكل غير مبرر أو قد يؤدي إلى استغلال وضع السكان المحليين، الذين قد يقبلون البيع بأسعار أقل بكثير مما قد يحصلون عليه في السوق إذا كانوا في وضع اقتصادي أفضل.
تلاعب خفي
قال الباحث الاقتصادي سلام حسن إن الارتفاع الكبير في أسعار العقارات في الأحياء القديمة ببغداد لا يعكس واقع السوق التقليدي الذي يعتمد على قانون العرض والطلب، بل هو نتيجة لعدة عوامل غير اقتصادية.
وأضاف، أن بعض هذه الأحياء شهدت زيادة في الأسعار تراوح بين 15 و25% في السنوات الأخيرة، وهو ارتفاع غير مبرر وفقاً للمعايير التقليدية، مشيراً إلى أن الأسعار قد تتجاوز 15 مليون دينار عراقي للمتر الواحد (نحو 11 ألف دولار) في الفترة القادمة، نظراً لأهميتها ومواقعها الاستراتيجية في وسط العاصمة.
وأوضح حسن أن الأسعار في المناطق الشعبية تتفاوت حالياً، بدءاً من سبعة ملايين دينار عراقي (حوالي خمسة آلاف دولار) للمتر الواحد، وهي تعكس الواقع الاقتصادي الصعب، حيث يضطر كثير من السكان لبيع ممتلكاتهم تحت ضغط الحاجة المالية.
وبيّن أن هذا الارتفاع لا يرتبط بتحسن الخدمات أو جودة البناء، بل يعود إلى عمليات شراء ممنهجة يقودها تجار وشركات وسماسرة يستغلون حاجة العائلات، ويقومون بالاستحواذ على العقارات بأسعار مغرية.
وأشار إلى أن الظاهرة تتجاوز غياب الرقابة الرسمية، إذ توجد جهات متنفذة، وأحياناً مافيات، تستغل الفجوات في السوق العقاري لإعادة توزيع الملكيات بما يخدم مصالحها الخاصة، ما يؤدي إلى تغييرات اجتماعية في الأحياء القديمة.
كما لفت إلى أن الهجرة الكبيرة التي شهدها العراق بسبب التدهور الأمني ساهمت في إفراغ بعض المناطق من سكانها الأصليين، ما وفّر بيئة مواتية لإعادة تشكيلها ديموغرافياً.
وأكد حسن أن غياب استراتيجية حكومية واضحة للحفاظ على الطابع الاجتماعي والاقتصادي لبغداد يعمّق الأزمة، ويهدد بتغيير ملامح المدينة التقليدية، وهو ما يساهم في تفكيك نسيجها الاجتماعي.
أبنية مهملة
أشار مستشار رئيس الحكومة مظهر محمد صالح إلى أن الأبنية القديمة المهملة لسنوات، والتي أصبحت عرضة للزوال، بدأت تحظى باهتمام متزايد من قبل الحكومة والمجتمع العراقي، ضمن حملة إعمار كبرى انطلقت من شارع المتنبي في قلب العاصمة بغداد.
وأوضح صالح، أن العاصمة كانت أمام مفترق طرق: إما إزالة تلك الأبنية بالكامل وخسارة إرث بغدادي نادر لا يمكن تعويضه، أو إعادة إحيائها تدريجياً، وهو ما يجري حالياً في مناطق مهمة مثل شارع الرشيد التاريخي وغيره.
ولفت إلى أن البيوت التاريخية تتميز بما يُعرف اقتصادياً بـ"ريع الموقع"، حيث يمنحها موقعها الجغرافي في قلب بغداد القديمة قيمة مكانية مضافة لا تتوفر في باقي مناطق العاصمة.
وأضاف أن حملة التجديد العمراني لا تهدف إلى الحفاظ على الإرث الحضاري فقط، بل منحت محلات بغداد القديمة طابعاً جمالياً استثنائياً، ورفعت مكانتها مقارنة ببقية أحياء المدينة، ما ساهم في تعزيز الاهتمام بها كأثر تاريخي وفرص للاستثمار السياحي.
وأكد صالح أن جعل بغداد مدينة للسياحة العربية والعالمية يستحق هذا القدر من الاهتمام بالتراث المعماري، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار الأبنية القديمة، لكونها تمثل المعمار التقليدي الذي يعود إلى العهد العثماني، أو إلى بدايات تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل أكثر من مئة عام، واعتبر أن هذا الاتجاه تطور طبيعي في تصاعد أسعار العقارات النادرة ذات الطابع التاريخي.