"إنفاق منفلت".. حملات انتخابية تُقصي المستقلين وتكرّس "سطوّة" الأحزاب المتنفذة

اليوم, 11:26
961

لا يزال تمويل الحملات الانتخابية يمثل واحدة من أكبر الثغرات التي تعيق تحقيق العدالة في التنافس الانتخابي داخل العراق، إذ يفتقر هذا الملف إلى تنظيم ورقابة صارمة، ما يفتح الباب واسعًا أمام هيمنة المال السياسي ويمنح الأفضلية للأحزاب المتنفذة، على حساب المرشحين المستقلين والقوى الناشئة.

 

وتلجأ قوى سياسية معروفة إلى ضخ أموال طائلة في الحملات، عبر مغريات مباشرة أو غير مباشرة، بدءًا من شراء الأصوات إلى تنظيم مؤتمرات انتخابية مدفوعة الحضور، ما يُفقد العملية طابعها الديمقراطي ويحوّلها إلى صفقة مالية مفتوحة.


قناة سنترال على منصّة التلغرام.. آخر التحديثات والأخبار أولًا بأوّل

 

ويُفرز هذا المشهد، وفق مختصين، ثقافة انتخابية مشوّهة، حيث يُستبدل معيار الكفاءة والبرنامج الانتخابي بحجم "العطية" أو "المصلحة"، ما يدفع الناخب إلى التصويت لا باعتباره مواطنًا فاعلًا بل مستهلكًا ينتظر المقابل.

 

كما يساء فهم دور البرلمان، إذ يُعامل النائب بوصفه مقدم خدمات محلية، ويُساوم على أصوات الناخبين مقابل تبليط شارع أو فرصة عمل، في وقت يعِد فيه بعض المرشحين بما ليس من صلاحياتهم أصلًا، ما يكشف ضعف الوعي العام، وطغيان الخطاب الشعبوي.

 

وتُظهر الانتخابات المتعاقبة ضعفًا واضحًا في تطبيق القوانين المتعلقة بالتمويل، إذ تعجز المفوضية عن ضبط الحملات ومساءلة مصادر الأموال، في ظل غياب الآليات التقنية والرقابة المستقلة، رغم وجود تشريعات يفترض أن تنظّم هذا الجانب.

 

تهديد لنزاهة الانتخابات

 

وقالت عضو مجلس النواب، سوزان منصور، إن "التمويل الانتخابي غير المنضبط بات من أخطر ما يهدد نزاهة الانتخابات في العراق، في ظل غياب تطبيق حقيقي للقوانين التي يُفترض أن تضبط هذا الجانب الحيوي".

 

وأضافت منصور، أن "بعض المرشحين يذهبون إلى أبعد من الدعاية التقليدية، من خلال شراء الأصوات بشكل مباشر، أو تقديم خدمات مؤقتة مثل التبليط أو إقامة حفلات انتخابية تتضمن وجبات وهدايا نقدية، وهو انحراف خطير في فهم العملية الانتخابية من قبل المرشحين والناخبين على حدّ سواء".

 

ورأت أن "هذا النمط من الحملات يُقصي المرشحين الذين لا يمتلكون المال، مهما كانت كفاءتهم أو برامجهم، ويمنح الأفضلية لمن يملك المال أو يدعمه حزب متنفذ"، داعية إلى "وضع سقف معروف ومعقول للإنفاق الدعائي، وتفعيل الرقابة المالية بشكل فعّال، لا أن تبقى القوانين حبرًا على ورق".

 

وتنص القوانين العراقية على إلزام الأحزاب بالكشف عن مصادر تمويلها، كما تحدد تعليمات المفوضية الحد الأقصى المسموح به للإنفاق الانتخابي لكل مرشح، إلا أن هذه الضوابط لا تُطبّق عادة على أرض الواقع، وهو ما سمح للأحزاب الغنية بفرض سطوتها عبر الدعاية الضخمة والمال السياسي.

 

ويُضاف إلى ذلك غياب الشفافية بشأن الدعم الخارجي لبعض الكيانات، إذ تُثار بين الحين والآخر شبهات حول تلقي تمويل من جهات خارجية مقابل وعود بتحقيق مصالح اقتصادية أو سياسية، وهو ما يزيد من هشاشة العملية الانتخابية بشكل عام ويقوّض مفهوم السيادة.

 

تجارة مضمونة

 

بدوره، أوضح الباحث في الشأن السياسي، حسن درباش العامري أن "المرشح بات ينظر إلى الانتخابات كتجارة مضمونة، ويسعى لشراء الفوز بأي ثمن، فيما يلهث الناخب وراء من يدفع أكثر"، مشيرا إلى أن أن "هذا الواقع أطاح بمعايير النزاهة والكفاءة، وجرّ الانتخابات نحو الخطاب الطائفي والعشائري، وسمح لأصحاب الدعم الخارجي بتحقيق مكاسب انتخابية على حساب سيادة البلاد ووحدة نسيجها الوطني".

 

وتابع أن "المال الانتخابي غيّر طبيعة التنافس السياسي، ولم يعد المشروع أو البرنامج هو المعيار، بل حجم ما يُقدَّم من وعود ومنافع ومغريات آنية"، معتبرًا أن "غياب الثقافة السياسية والإعلام الواعي أفرز بيئة مثالية لانتشار هذه الظواهر، وساهم في دفع الكفاءات الحقيقية إلى التراجع".

 

وتشير معطيات ميدانية إلى أن المرشح من الفئة المتوسطة، إذا كان مدعومًا من حزب أو جهة نافذة، ينفق عادة ما بين 500 مليون إلى مليار دينار خلال حملته الانتخابية، وهي مبالغ ضخمة تعجز عن مجاراتها الأحزاب الناشئة أو الشخصيات المستقلة، ما يؤدي إلى اختلال التوازن في فرص التنافس ويُقصي القوى التي لا تملك غطاءً ماليًا واسعًا من المشهد الانتخابي.

 

وكان من المقرر أن يشمل التعديل المقترح على قانون الانتخابات فقرة خاصة تضع سقفًا ماليًا ملزمًا لكل مرشح خلال الحملة الدعائية، بهدف ضبط الإنفاق الانتخابي وتقليص تأثير المال السياسي، غير أن الخلافات بين القوى السياسية حالت دون تمرير التعديل بصيغته الكاملة.