"مافيات متنفذة" تدير عمليات التهريب.. هل يساهم قانون العفو في انتشار المخدرات؟
الخطر يداهم سدود العراق.. جفاف في دوكان والموصل وانقطاع الكهرباء يلوح في الأفق
جرائم حرب مروعة.. قوات خاصة بريطانية أعدمت معتقلين وأطفالًا بدم بارد في العراق وأفغانستان
ما بعد قمة بغداد.. عام من الاشتباك مع الملفات العربية "الساخنة" بمناخ "مضطرب"!
بعد عام 2003، عاش البلد فترة مليئة بالتحديات والصراعات، حيث تعرض لعدة موجات من الإرهاب الدموي، تمثلت في التفجيرات والعبوات الناسفة التي ضربت المدن والقرى، لكن في الآونة الأخيرة، بدأ العراق يواجه نوعًا آخر من الإرهاب، أكثر صمتًا وأكثر خفاءً، لكنه لا يقل خطورة على المجتمع: "إرهاب المخدرات".
"الإفلات من العقاب"!
أمير الدعمي، الخبير القانوني العراقي، يرى أن هذه الظاهرة أصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا، بل ويتساءل كيف يمكن تجاهل خطورة هذا النوع من الإرهاب في الوقت الذي ينقض فيه على مستقبل الشباب العراقي.
يقول الدعمي، إن "العراق تعرض بعد 2003 لنوعين من الإرهاب؛ الأول كان إرهابًا دمويًا عبر التفجيرات والمفخخات، والآخر هو إرهاب المخدرات، الذي يدخل البيوت ويخترق الحياة اليومية بصمت"، مشيرا إلى أن "المخدرات أصبحت سمة مدمرة للمجتمع، حيث تخترق كل زاوية وتستهدف الشباب بشكل خاص، كما تحولت إلى مظهر من مظاهر العنف غير المباشر الذي لا يتسبب في الدماء، لكنه يدمر الأرواح والعقول".
وفي ظل هذه التحديات، كانت هناك محاولة لمكافحة هذا الإرهاب الصامت من خلال إصدار قانون المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لعام 2017، الذي عمل على تحديد عقوبات للمروجين والمتعاطين. لكن الدعمي يشير إلى أن القانون رغم وضوحه، إلا أنه يحتاج إلى مراجعة وتعديل ليواكب حجم التحدي الذي يواجه المجتمع العراقي. ويرى أن العقوبات الحالية يجب أن تشدد لمواجهة هذا الخطر المتزايد، مشيرًا إلى أن تعاطي المخدرات يمثل تهديدًا مباشرًا لمستقبل الشباب، بينما يعد الاتجار بها جريمة كبيرة تهدد أمان المجتمع بأسره.
ويؤكد الدعمي، على ضرورة أن "تكون العقوبات رادعة"، ويقترح أن تصل إلى حد الإعدام في حالات الاتجار بالمخدرات. فالمخدرات باتت تساهم في إفساد المجتمع وتدمير الأجيال القادمة، مما يستدعي عقوبات قاسية لا رحمة فيها. الوقت ذاته يلفت إلى أن هناك تحديًا آخر يكمن في الإفلات من العقاب، حيث تكون بعض القوانين مثل العفو العام أحيانًا سببًا في إطلاق سراح المدانين، مما يضعف من قوة الردع ويؤدي إلى تكرار الجريمة.
ويحذر الدعمي، من وصول المخدرات إلى المؤسسات التعليمية مثل الجامعات والمدارس. فهذه الأماكن التي يُفترض أن تكون بؤرًا للتعليم والمعرفة، أصبحت مكانًا لتفشي هذه الآفة. مما يجعل المخدرات أكثر خطرًا من أي وقت مضى، إذ أنها تستهدف جيل المستقبل في لحظات مفصلية من تطورهم وتكوين شخصياتهم.
أما فيما يتعلق بالتجارة نفسها، فإن الدعمي يشير إلى أن "تجارة المخدرات في العراق ليست مجرد عمليات فردية، بل هناك مافيات منظمة، يحميها رجال نافذون في المجتمع، بعضهم مرتبط بمؤسسات حكومية أو شخصيات سياسية. هؤلاء الأشخاص لا يقتصر دورهم على تسهيل عمليات التهريب والتوزيع، بل إنهم يستغلون هذه التجارة لتحقيق مكاسب مالية ضخمة على حساب صحة وأمن المجتمع العراقي".
ويعاقب قانون المخدرات العراقي رقم ٦٨ لسنة ١٩٦٥ بالسجن لمدة ١٥ عام لمتعاطي المخدرات، بعدها جاء قانون جديد للمخدرات رقم ٥٠ لسنة ٢٠١٧، الذي خفف عقوبة المتعاطي بين سنة وسنتين وغرامة مالية قدرها 10 مليون دينار عراقي، في المادة ٣٢.
منافذ "غير رسمية"!
يقول النائب زهير الفتلاوي، إن "تجارة المخدرات في العراق باتت تشكل خطرًا كبيرًا"، مشيرًا إلى تصاعد الكميات المضبوطة خلال الأعوام الأخيرة، مع تورط جهات سياسية في هذه التجارة غير المشروعة.
وأوضح الفتلاوي، أن "آخر إحصائية لوزارة الداخلية حتى نهاية عام 2024، كشفت عن ضبط 62,116 حالة من المخدرات والمؤثرات العقلية في مختلف محافظات العراق، تنوعت بين الكوكايين، الكريستال، الكبتاغون، الحشيش، والأفيون"، مبيناً، أن "المشكلة الأكبر تكمن في المنافذ الحدودية، خاصة في شمال العراق، حيث توجد 33 منفذًا غير رسمي تُستخدم لتهريب المخدرات".
يضيف الفتلاوي، أن "إحصائيات الوزارة لعام 2023 أظهرت ضبط 3 أطنان و984 كيلوغرامًا و829 غرامًا من المواد المخدرة، بينما ارتفعت الكمية إلى 6 أطنان و102 كيلوغرام حتى 22 كانون الأول 2024"، لافتًا إلى أن "بغداد بجهتيها الكرخ والرصافة تصدرت المحافظات في عدد الضبطيات، تلتها المثنى، كربلاء، بابل، النجف، ذي قار، ديالى، البصرة، صلاح الدين، ميسان، واسط، الأنبار، الديوانية، كركوك، ونينوى".
ويستدرك قائلاً: "هناك جهات سياسية وأحزابًا تقف خلف هذه التجارة، باعتبارها أصبحت تجارة رابحة"، مؤكدًا أن "مجلس النواب يتحمل مسؤولية كبيرة في تشريع وتعديل قانون مكافحة المخدرات، حيث يجري العمل على تشديد العقوبات".
وينتقد الفتلاوي قانون العفو العام، الذي بدأ العمل به مؤخرًا، موضحًا أنه "سمح بإطلاق سراح متهمين بالإتجار بـ 50 غرامًا من المخدرات، وهي كمية تعادل أكثر من 850 حبة مخدرة"، محذرًا من أن "مثل هذه التشريعات قد تسهم في زيادة تفشي الظاهرة".
ويؤكد على "ضرورة تشديد العقوبات لمواجهة خطر المخدرات، ودعم الأجهزة الأمنية في جهودها للحد من هذه الظاهرة المدمرة".
لماذا تستمر عمليات التهريب؟
في ذات السياق، تحذر النائبة نيسان الزاير من تنامي ظاهرة تهريب المخدرات إلى داخل البلاد. وأكدت أن "الحدود مخترقة"، وهو ما يشكل ثغرة تستغلها شبكات تهريب المخدرات لتمرير سمومها إلى الداخل، مشيرة إلى وجود شبهات تواطؤ من بعض الجهات السياسية في تسهيل هذه العمليات الإجرامية.
وفي وصفها لآثار هذه الظاهرة، شددت الزاير على أن خطر المخدرات يفوق في فتكه أي نوع من أنواع الاحتلال، لأنه يستهدف العقول، ويقوّض ركائز المجتمع، ويتسبب في انحدار القيم، وتدمير مستقبل الأجيال الشابة.
كما أوضحت أن عمليات التهريب لا تتم بشكل عشوائي، بل تحظى بدعم وتوصيات من جهات متنفذة، ما يعقّد جهود المكافحة ويزيد من صعوبة التصدي لهذه الآفة التي تتغلغل في جسد الوطن بصمتٍ قاتل.
ويشير الخبير الأمني سرمد البياتي إلى أن "استمرار تجارة المخدرات في العراق يعود إلى وجود دعم وحماية لتجار المخدرات من قبل جهات معينة"، ويؤكد، أن هذه الظاهرة لا يمكن أن تستمر دون وجود أطراف تُساندها وتوفر لها غطاء أمني. من غير الممكن محاربة هذه التجارة ما دام هناك من يساعدها ويمنحها الحماية.