ثروة في الأرض وطاقات على الرصيف.. العمالة الأجنبية تهيمن على اليد العراقية في الحقول النفطية
احصائية عالمية: العراق بالمرتبة 89 عالميًا في مؤشر الجريمة لعام 2025
خميس الخنجر يعزف على "وتر الطائفية".. عودة الخطاب البعثي بوجه انتخابي
الشبان المعتقلون في السعودية.. دموع الأمهات تُقابل بصمت بغداد وتغوّل الرياض
التسول في العراق.. تجارة رابحة لـ "المافيات" وظاهرة خطيرة "تفتك" بالمجتمع
على الرغم من أن العراق يمتلك واحدًا من أكبر احتياطات النفط في العالم، ويعتمد على هذا القطاع الحيوي لتأمين أكثر من 90% من إيراداته، إلا أن أبناءه من الخريجين، ولاسيما من أصحاب الاختصاصات النفطية والهندسية، يقفون على أرصفة البطالة، منتظرين فرصًا كان من المفترض أن تكون من حقهم الطبيعي في بلدهم.
البرلمان يتدخل
النائب علي اللامي دعا الجهات المختصة إلى إعادة النظر في سياسة التوظيف داخل الحقول النفطية، مشيرًا إلى أن "العديد من الشركات الأجنبية العاملة في العراق ما زالت تعتمد بشكل مفرط على الأيدي العاملة الأجنبية، في وقت تعاني فيه البلاد من نسب بطالة مرتفعة، خاصة بين الخريجين".
وأوضح اللامي أن الحقول النفطية الكبرى، خصوصاً في محافظات الجنوب والفرات الأوسط، تضم عشرات الآلاف من العمال الأجانب الذين يتقاضون رواتب مرتفعة، في حين تبقى مساهمة الكوادر العراقية محدودة للغاية.
وأضاف أن "منح نسبة ثابتة للعراقيين في مختلف أقسام العمل النفطي، بما في ذلك الإنتاج والتوزيع والإدارة، سيسهم في خلق عشرات الآلاف من فرص العمل، وسيوفر قاعدة اقتصادية قوية ترتكز على الكفاءات الوطنية".
الشارع يحتج.. و"المكينة" تغلي
في محافظة البصرة، التي تحتضن أهم الحقول النفطية العراقية، شهدت الأيام الماضية تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة الاحتجاجات الشعبية، حيث نظّم العشرات من خريجي كليات الهندسة والنفط والعلوم اعتصامًا مفتوحًا أمام مقر شركة نفط البصرة، المعروفة محليًا باسم "المكينة".
المحتجون رفعوا شعارات طالبوا فيها بفرص عمل حقيقية ضمن القطاع النفطي، معبّرين عن رفضهم لسياسة التهميش والإقصاء التي يتعرض لها الخريجون العراقيون لصالح الأيدي العاملة الأجنبية.
وفي تطور لافت، وجه المعتصمون رسالة إلى وزير النفط حيان عبد الغني، منحوه فيها مهلة زمنية محددة للاستجابة لمطالبهم، محمّلين إياه المسؤولية الكاملة عن أي تصعيد قد يحدث نتيجة استمرار التجاهل الحكومي لمعاناتهم.
اقتصاد يُصدّر الوظائف
ويرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات ما هي إلا انعكاس مباشر لأزمة أعمق، تتمثل في السياسات التشغيلية غير المتوازنة داخل القطاع النفطي، الذي يُفترض أن يكون المحرك الأساسي لسوق العمل في البلاد.
الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الراوي يؤكد أن تطبيق مبدأ التوازن في العمالة من شأنه أن يحدث فرقاً حقيقياً في سوق العمل العراقي، خاصة في ظل الأرقام المقلقة لمعدلات البطالة.
وقال الراوي: "من غير المقبول أن تبقى أغلب الوظائف في قطاع النفط بيد الأجانب، بينما يواجه الآلاف من الخريجين العراقيين البطالة، رغم أن تأهيلهم الأكاديمي يطابق متطلبات العمل تمامًا".
وأضاف أن "تحويل جزء من الرواتب الكبيرة التي تُدفع للعمالة الأجنبية إلى الداخل سيعزز من الدورة الاقتصادية، ويفتح الباب أمام الكفاءات الوطنية لاكتساب المهارات والخبرات من الشركات العالمية، بدلاً من بقائها خارج منظومة التشغيل".
َوتشير بيانات وزارة التخطيط إلى أن نسبة البطالة في العراق تتراوح بين 14% و16%، لكن تقارير غير رسمية تؤكد أن هذه النسبة تتجاوز 25% في بعض المحافظات، لاسيما الجنوبية منها، التي تعد الخزان الأكبر للنفط العراقي.
وعلى الرغم من أن عقود التراخيص النفطية المبرمة مع الشركات الأجنبية تنص في بعض بنودها على ضرورة تشغيل نسب محددة من العراقيين، إلا أن هذه البنود – بحسب مختصين – لا تُطبّق بالشكل الفعلي، نتيجة ضعف الرقابة وغياب المحاسبة الحكومية الصارمة.
ويرى عدد من المتابعين أن تحقيق العدالة في التوظيف داخل القطاع النفطي لا يقتصر فقط على التوزيع العادل للفرص، بل يتطلب أيضًا وضع خطط حكومية مدروسة لتأهيل الخريجين، وتزويدهم بالمهارات اللازمة التي تتماشى مع طبيعة العمل في الحقول والمصافي والمراكز البحثية.
ويبدو أن اعتماد مبدأ التوازن في العمالة قد يشكل مدخلًا واقعيًا لمعالجة هذا الملف الشائك، إذا ما توفرت الإرادة السياسية، وجرى تفعيل القوانين القائمة، وإعادة هيكلة العلاقة مع الشركات الأجنبية على أسس تضمن حق العراق في الاستفادة من ثروته، لا منحه لغيره.