في وقتٍ تشهد فيه البلاد انسحاباً تدريجياً للقوات الأميركية وفق اتفاقيات بغداد – واشنطن، يبرز المشهد الأمني في العراق بصورة مغايرة لما كان عليه قبل سنوات قليلة. المدن المحررة تنبض بالحياة، والقوات العراقية بمختلف تشكيلاتها – الجيش والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات الرد السريع – تقف اليوم على خط الصدارة في مسك الأرض وملاحقة فلول الإرهاب، لتُثبت أن العراق بات قادراً على حماية سيادته وإدارة أمنه الداخلي والخارجي دون الاعتماد المباشر على القوات الأجنبية.
انسحاب أميركي يعكس نجاح التجربة الأمنية العراقية
تؤكد وزارة الدفاع الأميركية، أن قرارها تقليص وجودها العسكري جاء نتيجة نجاح القوات العراقية في محاربة تنظيم "داعش" وبسط الأمن، وهو ما يعني عملياً انتقال القيادة الأمنية بشكل كامل إلى بغداد.
هذا الانسحاب لم يكن ليحدث لولا الإنجازات الميدانية والاستخبارية التي حققتها القوات العراقية على الأرض.
انتصار ميداني أعاد المدن إلى حضن الوطن
العمليات المشتركة بين الجيش والحشد الشعبي والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب نجحت في تحرير المدن العراقية من قبضة الإرهاب. هذه الانتصارات رسخت الثقة بقدرة العراق على حماية أراضيه وتهيئة بيئة مناسبة لانسحاب القوات الأجنبية.
استخبارات متقدمة تحاصر فلول الإرهاب
بالتعاون بين الأجهزة الاستخبارية العراقية وشركائها الدوليين، تم تفكيك معظم الخلايا النائمة وملاحقة العناصر الإرهابية في مناطق وعرة، ما أدى إلى تقليص قدرة "داعش" على شن أي عمليات مؤثرة. هذا الإنجاز مهد الطريق أمام واشنطن وحلفائها للانتقال من دور القتال المباشر إلى الدعم الاستشاري المحدود.
ومع تراجع الوجود العسكري الأجنبي، يتجه العراق إلى مرحلة جديدة عنوانها "السيادة الأمنية والتنمية". المدن تنبض بالحياة، مشاريع الإعمار تنطلق، والاستثمار يعود تدريجياً بفضل الأمن المستتب، في مشهد يعكس أن مرحلة ما بعد الحرب بدأت تتحول إلى واقع ملموس.
وجميع ما تقدم فأن انسحاب القوات الأميركية ليس فراغاً أمنياً، وإنما نتيجة طبيعية لنجاح القوات العراقية في تحقيق الاستقرار وبسط الأمن.
وفي الأول من سبتمبر/ أيلول الماضي، وصف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني ملف الانسحاب الأميركي بعبارة "إعادة ترتيب العلاقة مع التحالف الدولي"، معتبراً أن الانسحاب الأميركي من البلاد لا "يعني القطيعة مع المجتمع الدولي، وظروف العراق اليوم تختلف عمّا كانت عليه عام 2014". وشدد السوداني على أن "موقف الحكومة من أحداث المنطقة واضح ومعلن على المستوى السياسي والإعلامي والإغاثي"، مضيفاً أن "العراق كان جزءاً من الحراك مع الدول الإقليمية لوقف الهجمات الصهيونية ومنع اتساع ساحة الصراع".